رقصة القد الجميل

TT

ليس بيني وبينه سابق معرفة وطيدة، وإنما حظي العاثر جعل مقعدي بجانب مقعده في ذلك الصالون الوثير، وليس بيني وبينه أي احتكاك (البتّه)، اللهم إلا السلام عليكم، وعليكم السلام، فلا قاسم مشتركا بيننا فهو ما شاء الله رجل (بانكر) - أي أنه يقف مع غيره على قمة هرم بنكي - يلعب هو بالملايين مثلما ألعب أنا بملاعق الرز على مائدتي المتواضعة، (فأيش جاب المغربي على الشامي)؟!

ولكي لا يذهب الخيال بأحدكم بعيداً فلا بد أن أوضح وأقول: لا هو مغربي ولا أنا شامي - مع احترامي لكل حفيد من أحفاد عبد الكريم الخطابي، وكل حفيد من أحفاد سلطان الأطرش.

المهم أنه لكزني أو وكزني بدون سابق إنذار بكوعه في خاصرتي مما جعلني أقفز ربع قفزة في مقعدي من جراء حركته الصبيانية وغير المتوقعة تلك، وما أن التفت له مندهشاً حتى تفاجأت به يحرك لي حاجبه مبتسماً ويسألني: ما رأيك بالرقص؟!

وزادت دهشتي اندهاشاً إلى درجت أنني تبلّمت ولم استطع أن أجيبه سوى (بنعم)!!

ومعي الحق الكامل في ذلك، (فإحنا في إيه والاّ في إيه)؟!، فالمجلس ممتلئ بجهابذة أو أساطين المال من كل حدب وصوب، وأحاديثهم ومناقشتهم كلها منصبة على البورصات و(دافوس) وأسعار البترول وإغراق الأسواق بالصناعات البتروكيماوية، وهذا يسألني عن رأيي بالرقص؟!، هزلت، فعلا هزلت.

اعتقدت للوهلة الأولى أنه قد (زوّد العيار حبتين)، ولكنني لم أجد أمامه على الطاولة غير كوب ممتلئ بالشاي، فاطمأننت قليلا وعرفت أن الرجل بريء وهادٍ على ما أظن، لهذا أجبته قائلا: رغم أنني معجب بهذا الصنف من التعبير الإنساني، غير أن ربي لم يطرح بي البركة لكي أتقنه جيداً.

فردّ عليّ بدون أية مجاملة قائلا: إذن اسمح لي ولا تزعل مني أنني أعتبرك متخّلفاً، قلت له: شكراً، وبدون أن يرد لي (بعفو)، استطرد بكلامه قائلا: هل تصدق أنه ابّان دراستي الاقتصادية الجامعية في (كاليفورنيا) أخذت دروساً في إتقان جميع الرقصات التي لا تخطر على بالك؟!

قلت له: يا سلام، والله حلو، لقد شوقتني، طيب وبعدين؟!

قال: ولا قبلين، ولكن أكره ما أكره، عندما أشاهد شخصاً لا يتقن أصول الرقص، هل تصدق أني قبل مدّة راقصت امرأة، ومن حنقي عليها وددت لو أنني (كفخّتها)- أي ضربتها -؟!، سألته: ليه هي بشعة؟!، قال: بالعكس هي فاتنة، ولكنها من جهلها أشعرتني أنها ترقص ضدي لا معي.

استدار بمقعده وكاد يواجهني تاركاً جميع المناقشات التي تمنيت أن استمع إليها واستفيد منها قائلا لي: أخسرهم وركـّز معي، فالرقص هو العالم الرحب الحضاري الوحيد الذي من الممكن أن يخرجنا من وهدتنا وتخلفنا، أنني جربت كل أنواع الرقص ابتداء من (الغالي) وانتهاء (بالهيب هوب) مروراً (بالروك أند رول)، ولم أصطفِ من الرقصات كلها أكثر من الرقصة (الهوائية)، هل تعرف ما هي؟!، قلت له: لا يا حسرة، ويا ليتني أعرف.

قال: إن البعض يسمونها رقصة (القد الجميل)، وهي تتطلب حركات من القفز والركل والانحناء على وقع نغمات موسيقية، وهي أفضل صحّياً حتى من (الهرولة)، إنها صمام أمان للتوتر والإرهاق.

والحمد لله أن مضيفنا في هذه اللحظة قال: تفضلوا على العشاء، فاتجهنا جميعاً للمائدة، وكان هو يهتز بكامل جسمه المترهل أمامي برقصته الهوائية، رقصة القد الجميل.

بالله عليكم: أيش تسمّونه؟!

[email protected]