الفارق هو الشعب

TT

«الجماهير» في اللغات الغربية، مصطلح «نفسي»، سايكولوجي، بعكس تعبير الشعب، الذي يعني جميع فئات الناس وطبقاتها وانتمائها الانساني إلى الوطن والدولة والأمة. وثمة دراسات لا عدد لها بما يسمى «نفسية الجماهير» وكيفية تصرفها وكيف تحرك وكيف تثار وتقاد، في اي اتجاه شائه أصحابها. وعندما يتحول الشعب إلى «جماهير»، يصبح من الممكن ان تخرج منها الرعاع والغوغاء والفالتون على كل شيء، بما فيه الشعب وارزاقه وممتلكاته، وأمته.

وتتجه هذه الفئة من الجماهير اول ما تتجه إلى مكانين: السجون، حيث تطلق المحكومين بالجرائم الموصوفة كالقتل والسطو، والى المتاحف والمخازن. وعندما افلتت «الجماهير» في بغداد اثر الاحتلال الأميركي، اتجهت الغوغاء منها إلى سرقة المتحف والى فتح ابواب سجن ابو غريب، لكي تطلق منه نحو 95 الف محكوم بجرائم موصوفة. وهؤلاء لم ينطلقوا لمقاتلة الاحتلال بل للعودة إلى سيرهم السابقة في القتل والسطو والاغتصاب والاعتداء على املاك الناس.

في 9 حزيران 1967 خرجت تظاهرتان تطالب جمال عبد الناصر بالعودة عن استقالته، في القاهرة وبيروت. خرج الشعب في القاهرة بمئات الآلاف في مسيرة حزينة ومنضبطة. وبعد انطلاق تظاهرة بيروت بقليل راح الرعاع يحطمون واجهات المخازن ويكسرون السيارات ويشعلون الحرائق. ولم يكن في كل ذلك اي علاقة لاستقالة عبد الناصر ولا للعودة عنها. الذي حدث على هامش تظاهرات مصر السياسية والشعارات التي رفعتها ضد حكم الرئيس حسني مبارك، كان من افعال «الجماهير» لا من عمل الشعب. الذين سرقوا وقتلوا وسطوا على البنوك والمتاحف لم يكونوا من شعب مصر بل من رعاعها. والذين ذهبوا فورا إلى اطلاق المحكومين بالجرائم الموصوفة في سجون مصر، هؤلاء لهم اقارب واشقاء ورفاق وشركاء بين نزلاء السجون واربابها. والذين طفقوا يسرقون وينهبون البيوت والمخازن وكل ما وقعت عليه ايديهم، هؤلاء رأيناهم من قبل يفعلون الشيء نفسه في شوارع بغداد، أو شوارع نيويورك، أو شوارع لوس انجليس.

الشعب لا يحرق بلده ولا يسرق اهله. الشعوب تبني الامم وتعلي الاوطان وتعترض بما يتناسب وقواعد الاخلاق في كل مكان. والذين اندفعوا إلى الارتكاب الصغير والكبير في مصر، فرق باغية ليست من الشعب. هذه فئات تمثل الظواهر الغوغائية في كل البلدان، في الظروف والحالات المشابهة. وثمة من اخطأ هو ايضا.. الرجال الذين اتخذوا القانون بايديهم واردوا المهاجمين. ولا عذر لهم حتى في ان الشرطة توارت أو جبنت أو هزمت أو تواطأت. القانون له اهل ورجال. ولا يجوز ان يتساوى اسوأ انواع الرعاع مع اسهل انواع الضحايا.