الزلزال المصري

TT

لا تزال الصورة غير مكتملة في مصر. فيضانات التظاهرات التي خرجت للشارع غاضبة ومتفجرة تنادي بتغيير النظام تحولت مع الأيام إلى مواجهة بين الجماهير الغاضبة ووزارة الداخلية، بمعنى أن وزارة الداخلية تحولت إلى «العدو» وأصبح الاعتداء على أفرادها ومقارها وهنا حصل «الانفلات»، اختفت الشرطة وقياداتها وعتادها وأسلحتها و«ظهرت» عصابات منظمة ومسلحة تعتدي على الأملاك والناس وشرفهم تحت تهديد السلاح وزاد على هذا كله «فتح» السجون والأقسام وأطلق المساجين ليزيدوا من حجم الفوضى والدمار والذعر والخراب وانتشرت الفوضى وعم الذعر، وكان هذا المثل الثاني الذي يعيشه العرب بعدما حدث في تونس، وكيف أن الداخلية هي رمز الدفاع عن الحاكم وليس الدفاع عن الدولة مثلها مثل مؤسسة الجيش التي تحظى باحترام كبير. (وهذا الأمر الذي عايشه بصورة عكسية الناس في العراق بعدما تعمد بول بريمر الحاكم العسكري في العراق بعد الغزو الأميركي له أن يحل الجيش بصورة همجية).

مصر تغلي ومصر غاضبة.. سقف المطالبات الشعبية بات بلا حدود والفوضى عارمة. الرئيس مبارك يحصد اليوم أخطاء معاونيه والتي لم يعترض عليها. مصر دولة لها تاريخ برلماني مهم وحرية صحافية منذ أكثر من مائة عام وبالتالي كان من غير المعقول أن يتم ترجمة الانتخابات البرلمانية الأخيرة لتكون «سيطرة» كاملة للحزب الحاكم محولة مجلس الشعب إلى ما يشبه برلمان الاتحاد السوفياتي والصين وغيرها من نماذج الفساد والتسلط التي باتت معروفة. ما يحدث في مصر هو فرصة هائلة للتصحيح، الدولة غير الحزب، والحزب غير النظام والنظام غير الحاكم ولكل مقامه. ولكن ما يفزع هو ما يحدث في التظاهرات اليوم في مصر ومحاولة استغلال حركة وطنية خالصة وناضجة وصادقة وأمينة لصالح بعض الشعارات والشخصيات المريبة.

هل يعقل أن ترفع صور وشعارات للناصرية في مظاهرات وطنية؟ من الذي أسس وكرس الاستخبارات والمباحث والحكم بالحديد والنار وانتخابات الـ 99 في المائة وأضاع الأراضي أمام إسرائيل، وكانت المحسوبية سمة الحكم والاستبداد أساسه، ودمر العلاقات مع الدول العربية وصدر الاستبداد العسكري الثوري الذي ولد ديكتاتوريات مستنسخة لحكمه؟ كارثة لو كان المصريون يطالبون بعودة هذا النموذج الكئيب ولذلك كان حزينا والعالم يشاهد نائبا سابقا عرف بظهوره الإعلامي المتكرر ولديه صحيفة أسبوعية جدلية وكان محسوبا ولا يزال على أنظمة عربية ديكتاتورية محمولا على الأكتاف ويتزعم إحدى المظاهرات.

والشيخ يوسف القرضاوي دخل هو الآخر على الخط وأدلى بدلوه السياسي «ليشعللها» أكثر بدلا من الاهتمام بالتهدئة وبث الطمأنينة في نفوس المواطنين المذعورين مثلما فعل العقلاء مثل عمرو خالد ومعز مسعود اللذين اهتما بالشأن الاجتماعي وحماية المنازل وأعراض الناس بجلب الشباب لعمل تروس ودروع بشرية للقيام بذلك. الاختيارات السياسية الأخيرة للرئيس مبارك جاءت من قلب المؤسسة العسكرية وهي بمثابة بوليصة تأمين أخيرة ويبقى الانتظار لمراقبة مفعولها.

المأساة المصرية مستمرة حتى كتابة هذه السطور والوضع متأزم والدرس المصري فيه عبر كبيرة جدا، فالسياسة العشوائية التي ولدت عشوائيات انفجرت في وسط البلاد لتهز النظام والحكم والمنطقة بأسرها، والأيام القادمة لن تقل إيلاما.

[email protected]