أجواء الطيران في عام 2020

TT

تتمتع شركات الطيران في منطقة الخليج العربي بإمكانات هائلة، كونها تمثل محورا رئيسيا لقطاع الطيران، إلى جانب كونها مركزا تجاريا عالميا ووجهة ترفيهية. وهذه من الحقيقة بمكان يجعلنا نرى هذه الإمكانات تبرز جليا على أرض الواقع في الوقت الراهن.

لكني أعتقد أن مثل هذا التحول لم يتم بسبب أننا نقدم فقط عروضا متميزة جدا لعملائنا؛ بل لجودة الخدمات على متن أساطيل حديثة، خاصة أن المسافرين لديهم مجموعة جديدة من التوقعات بخصوص رغبتهم في الوصول إلى شبكات حديثة ونشطة والميل نحو عدم معاودة السفر إلى المراكز القديمة المنهكة.. على متن طائرات قديمة أو خدمات مملة.

ومما لا شك فيه أن موقعنا الجغرافي المتميز بين أوروبا وآسيا وتوافر القدرة والعزيمة على دعم هذه الرؤية وتعزيزها بعلامات تجارية حديثة التي كثيرا ما تقدم خدمات متميزة، كلها تفي بمتطلبات جميع العملاء وتعد نقطة انطلاق بالنسبة لنا.

ومع اقترابنا كثيرا من عام 2020، فلا بد من الإشارة إلى عدة عوامل مهمة لأن منطقة الخليج العربي تعد أيضا واحدة من أسرع المناطق نموا في العالم.

يأتي ذلك في الوقت الذي ظهرت فيه الهند، وهي جارتنا على الجانب الآخر من بحر العرب، كقوة اقتصادية عالمية.

أما في ما يخص الناقلات الأوروبية، فقد شهدت السنوات الثلاث الماضية وما قبلها بقليل تحولا مماثلا في أوروبا واقتصادها. كانت الأسواق قوية وعلى الدرجة نفسها من ثقة المستهلكين الدوليين؛ فالأمور كانت مختلفة تماما، وربما يكون أحد مظاهر ذلك أن المناخ لم يكون شديد البرودة، كما شهدت أوروبا عام 2007 فترة مستدامة من الازدهار الاقتصادي، حيث بلغ متوسط معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي 3 في المائة في دول الاتحاد الأوروبي كافة، وكان معدل البطالة يبلغ 5 في المائة.

لكن الأمور تغيرت كثيرا منذ ذلك الوقت وحتى الآن.

فقد شهد عام 2009 تراجعا في الناتج المحلي الإجمالي في أوروبا بمعدل 4.2 في المائة، تلته عودة فاترة للنمو بمعدل 1.8 في المائة خلال عام 2010. وارتفعت معدلات البطالة إلى ما يقرب من 10 في المائة، واستغرقت أسواق الأسهم وقتا طويلا حتى تعود إلى المستويات التي حققتها خلال عام 2007.

كما لم تعد ثقة العملاء في ازدهار اقتصاد الاتحاد الأوروبي إلى المستويات التي كانت سائدة في الاتحاد الأوروبي إلا قبل شهر فقط وذلك منذ عام 2007 بعد مضي ثلاث سنوات عجاف طويلة.

وبالطبع يجب أن لا ندع الأزمة الاقتصادية تدفعنا مرة أخرى نحو سياسة الحمائية. فأوروبا كانت تقود عملية تحرير كثير من الأسواق، وكانت الفوائد الاقتصادية لذلك واضحة. وفي الحقيقة، استفاد كثير من الصناعات من تلك الفوائد، ومنها بالتأكيد صناعة الطيران.

إن الأثر الاقتصادي الهائل المضاعف لأسواق الطيران المتحررة ظاهر تماما ويحظى بقبول واسع. فالدول والمدن التي رحبت بالمنافسة المفتوحة جنت ثمار تدفقات الحركة الداخلية الهائلة وصناعات السياحة المزدهرة وزيادة النشاط التجاري.

وكان «الاتحاد للطيران»، الناقل الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة، السوق الرئيسية، لأبوظبي، من المستفيدين الرئيسيين من هذه الحركة. وبالتالي فقد تم وضع هذه الرؤية المعدة على نحو قوي بحسن نية أمام المفوضية الأوروبية وأمام حكومات الدول الأعضاء فيها. ونظرا لما سبق ذكره، فإنه لا شك أن أوروبا باتت في حاجة إلى إدخال تحسينات مختلفة على صناعتي الطيران والسياحة لدعم الانتعاش الاقتصادي وتحقيق نمو قوي.

وعوضا عن ذلك، هاجم عدد من شركات الطيران الأوروبية الكبرى النمو الذي حققته شركات الطيران الخليجية، وزعمت أننا نحصل على منح الدعم الحكومي، وتحججت بتمويل ائتمان الصادرات، مما سيفقدهم كثيرا من الوظائف، وذلك كأرضيات لعرقلة نمو الشركات المنافسة لهم في هذه السوق الحرة.

وهنا لا بد من التوضيح والرد هذه الاتهامات والادعاءات الباطلة بالاعتماد على نقطتين:

أولا: حماية الناقل الوطني من المنافسة المفتوحة يعد سياسة سلبية محضة لتطور الاقتصاد الوطني لأي دولة. حيث ترى الشركات الوطنية ضمن تطبيق حماية شركات الطيران أنها بإمكانها كسب الأرباح البسيطة مقابل حرمان الاقتصاد الوطني من تحقيق النمو بوتيرة سريعة، بدءا من ارتفاع نسبة الإشغال الفندقي وانتعاش قطاع الضيافة وشركات البيع بالتجزئة، وحتى وظائف الخدمات المصرفية في تمويل الطائرات، على الرغم من أنه لا تحدونا مشاعر دافئة تجاه المؤسسات المصرفية حتى الآن.

كما يدر نمو سوق الطيران العالمية القوية والتنافسية فوائد كثيرة على قطاع تصنيع الطائرات الأوروبي.

فقد تقدمت «الاتحاد للطيران» بطلبية مؤكدة لشراء 58 طائرة من طراز «إيرباص» على أن يتم تسليمها خلال السنوات العشر المقبلة. بينما تقدمت «طيران الإمارات» بطلب شراء 143 طائرة، وشركة الخطوط الجوية القطرية 97 طائرة. وتبلغ قيمة هذه الطلبيات نحو 80 مليار دولار أميركي، حسب الأسعار المعلنة. في حين تتمثل تأثيرات السوق المفتوحة في وجود صناعة طيران كبيرة وانتعاش حركة المسافرين والنمو السريع وزيادة التبادل التجاري والسياحة في كل دول الاتحاد الأوروبي.

ثانيا: أعتقد أنه يوجد أمام شركات الطيران القديمة في أوروبا فرصة فريدة لاستغلال المنافسة الحقيقية العادلة كدافع لتغيير العروض والخدمات التي تقدمها للعملاء وتحديث الآلية التي تعمل بها والاستفادة من الفرص الجديدة.

بيد أن الفشل في تحقيق ذلك يمثل تهديدا لاستمراريتها وقدرتها على المنافسة في السوق العالمية. ولا بد من توجيه النصح لهذه الشركات بالتركيز قليلا على مدى ما تشعر به من ظلم العالم لها، والتركيز أكثر على كيفية الاستعداد للاستفادة من الفرص السانحة وظروف العمل المتغيرة.

لقد بات العالم أكثر تغيرا من ذي قبل، فالأسواق لا تنفك تتغير، في الوقت الذي يتم فيه تسجيل ظهور قوى جديدة على الساحة.

إن السرعة والإيمان بالتغيير يحققان النصر.

لا تزال شركة «الاتحاد للطيران» شركة طيران ناشئة. ولكن رغم حداثة إنشائها ومواجهتها منافسين أشداء على الساحة، فإنها تحقق النضج والنمو بسرعة هائلة وبثبات الخطى الواثقة.

إن المنافسة شديدة، خاصة أن جميع الشركات الوطنية الأوروبية أعضاء في التحالفات الكبرى لشركات الطيران التي تسيطر إجمالا على 70 في المائة من حركة الطيران العالمية؛ بل إن هذه الشركات استفادت من الأسواق الحرة في عقد صفقات الدمج والاستحواذ.

بالنسبة لـ«الاتحاد للطيران»، لم تتبع الشركة طرقا مخادعة من أجل الاستحواذ على محبة العملاء، بل على العكس تمكنت من تطوير أفضل المنتجات والخدمات لتقديمها على أحدث وأكثر أساطيل الطائرات كفاءة من خلال طاقم شاب ومتحمس، وتحرير عملنا من مخلفات هياكل التكاليف القديمة..

تنمو الشركات الخليجية بوتيرة سريعة وتحقق نموا مستداما يصعب على البعض مجاراته. ولكن أخلص بالقول إلى إن الشركة تتطلع إلى العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين وهي أكثر إدراكا لأن مفهوم القيمة للمستهلك قد تغير. ومع اقترابنا كثيرا من عام 2020، فإن المسافرين لديهم مجموعة جديدة من التوقعات بخصوص شركات الطيران. تتطلع «الاتحاد للطيران» وعلى المدى الطويل لدعم أسطول الطائرات مع تحقيق مزيد من الأرقام والإنجازات لمواصلة تحقيق الربحية بعد حصولها على تفويض من شركائها بأن تكون الأفضل بين نظيراتها قوية على الصعيد التجاري وقادرة على تحقيق الأرباح داعمة لخطة أبوظبي 2030، وذلك من خلال الفوائد الكثيرة التي يحققها قطاع الطيران للقطاعات الاقتصادية كافة. حيث سيعمل ذلك في المقابل على تحول أبوظبي لتكون واحدة من أهم العواصم الاقتصادية والسياسية والثقافية الرائدة على مستوى العالم.

* الرئيس التنفيذي

لـ«الاتحاد للطيران»