مفكرة مصرية

TT

تأخر تكليف اللواء عمر سليمان بضع سنوات. كان يجب أن يتم ذلك وسط هدوء وطني عام، ومن موقع قوة شبه كامل، وان يبدو على انه خيار الاستقرار، لا خيار الاستعجال. اقترحت ذلك في هذه الزاوية الصغيرة قبل اكثر من خمس سنوات، انطلاقا من رؤية متواضعة وموضوعية، خلاصتها ان ترشيح عمر سليمان للرئاسة، سوف يكون مرحلة انتقالية هادئة، تؤمن للرئيس مبارك ختم مرحلته في أمان وهدوء، وتمكنه من المشاركة في إعداد خلف له، اما جمال مبارك، فعنده كفاءات كثيرة، خصوصا الاقتصادية منها، لكن يعاني من عائق جوهري، وهو انه نجل الرئيس مبارك.

وفي القاهرة أجرت معي – وأعتذر عن سرد هذه الأنانيات – «المصري اليوم» حوارا على صفحتين طوال يومين. وضمن كل اداب الضيافة كررت ان مشكلة جمال مبارك لا تحل. وسئلت بعفوية عن تقييمي لحكومة الدكتور احمد نظيف. فلم أرد ان أخالف آداب الزيارة ولا احكام الضمير فهربت إلى القول: «لا أدري، لأن شخصية الرئيس مبارك طاغية على وجوده».

وفي الكتابة – أو الكلام – عن مصر، حاولت أن أراعي دائما، شيئا اسمه مصر. فمصر ليست تونس. ولا هي حتى العراق. وكل عربي يدرك أن مصر هي بيته، وإذا اختل توازنها فسوف يختل توازن الأمة. ويمكن للأحداث ان تقع في جوار مصر ما تشاء، فلم تنقلب الأمة عندما ذهبت ليبيا إلى أفريقيا، كما انقلبت عندما ذهبت مصر إلى كامب ديفيد. ولم تهتز أسواق الخليج بأحداث تونس لكن أسواق العالم، من نيويورك إلى لندن إلى ألمانيا إلى دبي، تزعزعت مع ارتجاجات مصر. ولا حتى حدث للأمة خلال احتلال العراق ما حدث فيها من خوف وهي تتأمل تطورات القاهرة والإسماعيلية والإسكندرية. كان على النظام أن يدرك كل ذلك كما يدركه آخر عربي في أرجاء هذه الأمة أو في شتاتها. وبالتالي أن يستبق الحدث لا أن يذهل أمامه. ولم يكن كل هذا الاضطراب ضروريا لكي يشعر الدكتور احمد فتحي سرور ان نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة كانت معيبة ولا يجوز للدولة القبول بها. لقد قبلت الكويت ذات مرحلة انتخابات «مجلس وطني» برئاسة الراحل عبد العزيز المساعيد وكان الثمن على الدولة باهظا.

وفي هذه اللحظات الصاخبة والمريرة، لحظة ظهور الأخطاء والتقصير، يجب ألا تنسى مصر ما ذكرها به أمس طارق الحميد: الحريات في ظل مبارك ومعدلات النمو والأداء الاقتصادي. لكن للأسف فإن من طبائع البشر ان تنسى. ومن طبيعتها انها عندما تحاسب في ساعات الغضب والفوضى لا تعود ترى سوى ما تريد ان تراه.