تعيشي يا مصر.. كبيرة يا مصر

TT

هذا مقال كنت قد كتبته قبل شهر، وهو يحمل نفس العنوان، ووضعته على جنب ونسيته في حينه، وبعد أحداث مصر الأليمة تذكرته، ووجدت أنه من الملائم أن أنشره، وهو في الواقع ليس من عندي، وإنما أغلبه هو إجابة لثلاثة من الأعلام عندما طرحت عليهم إحدى المجلات في الأربعينات من القرن الماضي السؤال التالي: ما هي أمنيتك التي تريد تحقيقها قبل أن تموت؟

هؤلاء الأعلام كلهم ماتوا، ودعونا نرى: هل أدركوا تحقيق أمانيهم يا ترى؟!

أولهم (فكرى أباظة) يقول: «أتمنى أن أكون دكتاتورا لمدة سنتين فأحارب البرلمانيات والحزبية القائمتين وأقيم على الأنقاض فرحا برلمانيا وفرحا حزبيا جديرين بالاحترام. وأن أعلنها حربا لا هوادة فيها على الميوعة الأخلاقية في مصر وعلى الشفاعات والوساطات التي تسود الدولة وتزعزع الثقة بالكفاءات وتتغلغل في أعمق مراحل الحياة العملية عندنا».

وثانيهم (بيرم التونسي) الذي يقول: «أمنيتي أن أعيش حتى لا أرى في مصر حافيا ولا عاريا ولا متعطلا عن العمل ولا جائعا يبحث عن القوت وأن أعيش فلا أرى (أم إسماعيل) و(أم بخاطرها) و(دولت) و(شربات) وغيرهن من فتيات الطبقات الشعبية يركبن العربة الكارو في شبه مظاهرة تطوف بهن ميدان الأوبرا وشارع سليمان باشا وميادين القاهرة الهامة وهن يغنين غناء وقحا ويرقصنا رقصا ساقطا فيعطين النزلاء الأجانب فكرة سيئة عن بعض البيئات المصرية ويسئن إلى مصر المنكوبة بهن أبلغ إساءة.

وأمنيتي أن أعيش فلا أرى في مصر جنازة يسير خلفها نساء يصبغن خدودهن بالسواد والطين ويولولن ويمزقن ملابسهن، وينكشن شعورهن، وهن لا يعرفن من هو الميت أصلا».

«أريد أن أعيش حتى أرى دولة النفاق تسقط وتنهار وأن ينجح في المجتمع كل رجل يستحق النجاح دون أن تزكيه امرأة».

أما ثالثهم فهو (عباس العقاد) الذي يقول:

«وأمنيتي أن تتحرر أفكارنا من عوامل الرجعية فنفهم كل شيء على حقيقته وندرس كل مسألة بما تستحق من الصراحة والجرأة ولا نجامل أحدا في الحق ولا نتردد حيث يجب الإقدام ولا نقف بينما الدنيا كلها تسير بل تعدو.. ولا أحسب أن ذلك بعيد المنال».

والآن بعد أن مضى كل إلى حتفه المحتوم، هل تحققت أمانيهم؟!

أم أن الحال ما زال كما كان؟!

أعتقد أن مصر تغيرت، وستتغير في المستقبل إلى الأفضل.

ولا أملك إلاّ أن أقول: تعيشي يا مصر، كبيرة يا مصر.

[email protected]