إنترنت داخلي

TT

تعبأ الناس حول العالم بالقول انها ثورة «الانترنت» و«الفيسبوك». كأن في ذلك شيئا من الامتهان لعشرات الحركات المشابهة التي قامت قبل اختراع الانترنت أو شيوع الهاتف النقال. عندما تلاقت جماعات الناس في ساحات الاتحاد السوفياتي السابق، لم تكن تعرف حتى الهاتف الثابت من وسائل الاتصال. وعندما نزل إلى ساحات بيروت مليون من هنا ومليون من هناك، لم يكن السبب سهولة الاتصال.

تعبأ الناس لاسباب عاطفية في مناخ ملائم في لحظات حماسية حاسمة. زمن هجوم الفرنسيين على الباستيل لم يكن هناك كهرباء لكن ايضا لم يكن هناك خبز. وزمن تجمعت المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال الالماني كانت تتواصل على قصاصات الورق المخبأة في القبعات أو الاحذية. وثورة اطفال الحجارة في فلسطين لم يكن فيها اتصالات آلية ولكن ايضا حيث تغيب جميع اشكال المعرفة الموضوعية وتتحول الصحافة إلى ورق بيانات رسمية، كما في تونس، يصبح المصدر الوحيد هو الانترنت، حيث لا رقيب مهني ولا قواعد ولا اعتبارات اخرى.

غير انه في المقابل كانت في مصر صحافة تتمتع بحرية تفوق فوضى الانترنت وتتجاوزها. وقد قرأت مؤلفا للاستاذ ابراهيم عيسى رئيس تحرير «الدستور» السابق في نظام الرئيس مبارك، لا يمكن نشره في اي بلد عربي أو غربي. عربي بسبب الخوف وغربي بسبب المحاكم وقانون التشهير. ومع ذلك لم يعزل عيسى الا بقرار اداري من مالك الصحيفة. ولم يوقف برنامج الزميل عمرو اديب، «مصر اليوم» الا ايضا بقرار اداري وذريعة مالية. سوء صحافة المعارضة المثيرة «كالدستور» أو الهادئة «كالشروق»، كان الفارق بين الصحافة الاهلية والصحافة الرسمية، وكأنهما تصدران في بلدين مختلفين. وكانت «الاهرام» مثلا تتابع يوميا نشاطات وتوصيات السيدة مبارك، برغم ان لا صفة رسمية لها، في حين يهاجم الروائي علاء الاسواني النظام في »الشروق»، مهما فعل وكيفما اتفق. وقد انصرف ثلاثة من كبار الوجوه الادبية، الاسواني، وجلال امين، وسلامة احمد سلامة كل بأسلوبه وطريقته، إلى نقد الحكم دون هوادة أو وجل أو حتى اعتبارات شخصية.

أيهما لعب دورا أكثر اهمية؟ موقع مجهول على الانترنت ام مقالات صاحب «عمارة يعقوبيان»؟ من تصدق الناس؟ اغرب ما قرأته في مذكرات السيدة تحية عبد الناصر، تكرارها القول، انها كانت تصغي إلى «اذاعة لندن» هي وبناتها، عندما كانت تريد معرفة اخبار مصر. بل كانت تقول انها تسمع النشرة فتطمئن ثم تذهب إلى النوم! وذلك في بلد اخترع العصر الإذاعي في العالم العربي. في الفورات الشعبيه، فرحا أو غضبا، لا يعود المرء يصغي إلا إلى صوت نفسه ومكامنها وطواياها. الانترنت وسيلة حديثة. وعندما خرجت البانيا برمتها على النظام لم يكن قد بلغها بعد نوع المعلبات الذي لا يصاب بالصدأ.