ما هو بديل بن علي؟

TT

من خلال متابعاتنا اليومية لما حصل في تونس، البلد الذي انتفض شعبيا وأسقط نظاما شموليا كان يعد من النظم البوليسية القوية في المنطقة، إضافة إلى أنه شبه مغلق على العالم بما فيه العالم العربي، ومع هذا تبدو الصورة أشبه ما تكون بالغامضة في المشهد التونسي الذي لا أحد يعرف كيف يتم تحريك الشارع في مرحلة ما بعد بن علي. وعندما نقول هذا فإننا نؤشر لحالة استمرار مطالب التوانسة بالتغيير وهذه المرة ينصب التغيير على ما يمكن أن يكون تغيرا شاملا بما في ذلك إنهاء حقبة الحزب الحاكم في هذا البلد.

وعلى ما يبدو بأن الشارع التونسي لا زال تحت تأثير الثورة وباتت هنالك أكثر من قوة تتحكم بتحركات الشارع التونسي أولها القوى الإسلامية التي ربما تجد نفسها بديلا شعبيا للنظام الشمولي، وهذا ما يبدو أقرب للحصول في أول انتخابات ديمقراطية تشهدها مدن تونس، حيث سنجد أن القوى الإسلامية ستفوز بالكثير من المقاعد وربما تشكل حكومة، وهذه الحالة موجودة في أغلب الدول العربية التي عاشت نظما شمولية وتحولت إلى الديمقراطية. في الجزائر حصل هذا حين اكتسحت جبهة الإنقاذ مقاعد البرلمان، وحصل في العراق بعد سقوط نظام صدام حيث فازت الأحزاب الإسلامية بأغلبية مقاعد البرلمان، وفي فلسطين وفي أول انتخابات فازت حماس بالأغلبية.

وعادة ما تكون الأحزاب الدينية هي البديل الأول للنظم الشمولية ذات الطابع الدكتاتوري التسلطي الفردي، وبإمكان هذه الأحزاب أن تستحوذ على مشاعر وعواطف الناخب في أي بلد من البلدان العربية لكي تملأ الفراغ الذي تركه سقوط نظام الحزب الواحد، وتعليل هذا متأت من غياب الأحزاب العلمانية والليبرالية المعارضة وغياب مشروعها للدولة بسبب غيابها عن الشارع وغيابها عن حركة المجتمع.

لهذا، فإن قراءة للمشهد التونسي الآن يجعلنا نجد أن الثورة التونسية التي انطلقت وحققت هدفها الأول بتنحي بن علي من الحكم، حققت هذا دون وجود مرجعيات فكرية وأيديولوجية وقيادة موحدة لها. وبالتالي، فإن الشعب التونسي هو صاحب لفضل في إسقاط بن علي وليس الأحزاب، القديمة منها والجديدة، والتي تشكلت مباشرة بعد 14 كانون الثاني 2011 والتي ربما تهيئ نفسها لأن تلعب دورا في المستقبل، خاصة وإن بعض هذه الأحزاب المشكلة حديثا ليست لديها خلفية فكرية بل هي أحزاب ولدت في لحظتها، ولغاية لا أحد يتوقعها الآن.

وبالعودة للثورة التونسية نجد أن ما حصل هو فعلا ضغط شعبي في مرحلته الأولى، وبالتالي فإن هذا الضغط الشعبي الآن أصبح يتم تحريكه من قبل قوى سياسية داخل المجتمع التونسي تسعى بالتأكيد لصناعة رأي عام داخل تونس من شأنه أن يمهد لزوال الحزب الحاكم وإنهاء وجوده في الساحة التونسية وإفساح المجال أمام الأحزاب الإسلامية، وفي مقدمتها حركة النهضة التي رفضت المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية لأنها ضمت أعضاء من حكومة بن علي المخلوعة.

وهذا ما شكل نقطة قوة لها بدليل استمرار التظاهرات المطالبة بإخراج أعضاء الحزب الحاكم من الحكومة، بل تعداه للمطالبة بإسقاط حكومة الغنوشي نفسها باعتبار أنها جزء من بن علي بطريقة أو بأخرى.

ومن يتابع التوانسة الذين فتحت أمامهم آفاق الإنترنت وما فيه من مساحات لإبداء الرأي سيجد أن الغالبية العظمى من الشباب التونسي بدأ يبلور أفكارا إسلامية لقيادة تونس. وفي الجانب الثاني هنالك فريق آخر يحاول تحذير التوانسة وخاصة التونسيات منهن، من إن الإسلام سيقضي على مكتسبات المرأة التونسية التي تحققت في السنوات الماضية وفي مقدمتها حقوقها ومكانتها في مجال الأحوال الشخصية. وهذا العزف من شأنه أن يخلق حالة من الحذر من الأحزاب الإسلامية إذا ما رشحت للانتخابات التونسية وربما يفقدها الكثير من الأصوات، وربما يقول البعض إن هذا الكلام مبكرا جدا، خاصة وإن تونس لم تحدد بعد موعدا للانتخابات وغير ذلك، ولكننا نقول إن الساحة التونسية الآن خالية من الأفكار التي من الممكن أن تقنع المواطن التونسي ببرنامجها لبناء الدولة وحتى فلسفتها للحكم، خاصة وإن العديد من الشخصيات السياسية كانت خارج تونس، وبالتالي فهي لا تفقه ماذا يريد التونسي؟ عكس الأحزاب الدينية التي تجد صدى داخل الشباب التونسي بحكم العاطفة أحيانا، وأحيانا أخرى بحكم غياب الأحزاب العلمانية والليبرالية في الساحة التونسية القائمة منذ عهد بورقيبة على قمع الحريات ومحاولة ترسيخ مفهوم الحزب الواحد والرجل الواحد.