لماذا تدعم روسيا كرزاي؟

TT

زار الرئيس الأفغاني حامد كرزاي الأسبوع الماضي موسكو لعقد أول قمة ثنائية بين البلدين منذ عقدين. كانت آخر زيارة رئاسية أفغانية إلى روسيا خلال عهد الرئيس محمد نجيب الله عندما سحب الاتحاد السوفياتي قواته. ودعا كرزاي في زيارته إلى روسيا لإعادة بناء المرافق التي أقيمت خلال العهد السوفياتي في البلاد.

وقال كرزاي في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف بعد محادثاتهما في الكرملين خلال زيارته الثانية لموسكو في ستة أشهر «نريد بداية جديدة للمشاريع الحيوية التي بدأ العمل بها قبل وقت طويل».

وتشمل المشاريع التي تمت مناقشتها حديثاً نفق سالانغ في جبال هندوكوش والمحطات الكهرومائية في إقليمي كابول وباجلان والمستودع الجمركي وجامعة في العاصمة الأفغانية. وخلال الإعلان المشترك عبرت روسيا عن استعدادها للمشاركة في «المشاريع الاقتصادية ذات الأولوية» في أفغانستان والتي تعود بعضها إلى الحقبة السوفياتية. وتعد المشاريع الحديثة أداة لتوسعة السياسة الروسية في أفغانستان التي لها تاريخ طويل وتستند إلى قاعدة أن «روسيا تسعى لزيادة نفوذها في أفغانستان».

وتقرب كرزاي إلى موسكو لأن واشنطن مستاءة من محاولاته لتحقيق تسوية في أسرع وقت مع طالبان بينما تشكل خطواته تحدياً لاستراتيجيات الولايات المتحدة الإقليمية. ومن ناحية أخرى، يبذل كرزاي جهوداً مستمرة لتطوير العلاقات مع روسيا بضمنها التعاون العسكري لتقليص اعتماده على الولايات المتحدة بحلول عام 2014. قال كرزاي مخاطباً خريجي أكاديمية كابل العسكرية إنه إذا لم يسرع الأميركيون بتطبيق البرنامج لتزويد القوات المسلحة فستقوم دولة أخرى بذلك. وقد عبر الرئيس الروسي عن استعداد بلاده لمساعدة القوات المسلحة الأفغانية. بالإضافة إلى ذلك، أوقف البيت الأبيض دعمه لكرزاي لأن إدارة أوباما تحمله مسؤولية الاقتصاد المبني على المخدرات والفساد.

ونتيحة لذلك، تبدو روسيا كلاعب يلعب دوراً أكبر في البلاد وتوسع باضطراد مستوى وحجم انخراطها هناك.

ما أهمية أفغانستان بالنسبة لروسيا؟

في البداية، عززت الولايات المتحدة من وجودها في آسيا الوسطى بزيادة قواعدها العسكرية، الأمر الذي رأت روسيا أنه يأتي على حساب أمنها. على أي حال، أيقنت روسيا بعد فترة حقيقة أن الولايات المتحدة وحلفاءها لن تستطيع بسهولة احتواء التمرد الإسلامي في أفغانستان. يمكن القول إنه في عام 2009 بدأ القادة الروس بالقلق من أن إدارة أوباما قد تحسب فجأة قواتها من أفغانستان، الأمر الذي قد يؤدي إلى تحمل روسيا وحدها مسؤولية التصدي للخطر الذي يشكله عودة طالبان على آسيا الوسطى وروسيا. والصراعات الداخلية التي تعاني منها روسيا منذ تسعينات القرن المنصرم والتي ترافقها ذكريات حرب الشيشان وتجربة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان تعني أن حساسية الكرملين ضد الراديكالية الإسلامية النامية قد تفهم بشكل أفضل. بناء على ذلك، قررت موسكو مساعدة الولايات المتحدة ضم شبكة التوزيع الشمالية، وهي خط لإعادة التوزيع يعمل على تسهيل العبور البري للسلع غير القاتلة من أوروبا إلى أفغانستان.

إضافة إلى ذلك، إن وجود الولايات المتحدة في المنطقة ليس الحل لأنه «وجود عسكري» فقط. ينظر معظم الأفغان إلى قرار أوباما الذي اتخذه في ديسمبر (كانون الأول) 2009 بزيادة الوجود الأميركي في أفغانستان من 33 ألف جندي إلى أكثر من 60 ألف جندي ككارثة. استناداً إلى انه «عندما ينظر الأفغان إلى القوات الأميركية يرون قتلة»، فإنهم يعدون وجود القوات الأميركية جزءاً من المشكلة وليس الحل.

ثانياً، بالنسبة للكرملين إن أهم خطرين قادمين من أفغانستان هما تجارة المخدرات والإرهاب. ترى روسيا أن خطر تصدير الإرهاب من أفغانستان أولوية عليا حيث أن أفغانستان منتج رئيس للأفيون. روسيا التي تعاني مشكلات ديموغرافية تتعلق بالكحول ومعدلات ولادة منخفضة تواجه الآن تحدياً جديداً يتعلق بمشاكل المخدرات، لاسيما بوجود شعب غالبيته من الشباب.

ثالثاً، بينما تدعم موسكو موقف الولايات المتحدة / الناتو في أفغانستان، تحاول - بالرغم من ذلك - التفرقة بين روسيا والغرب بطرق تأمل موسكو أنها ستعزز موقفها في عيون إدارة كرزاي في كابل. وبينما تراجعت علاقات كرزاي بأوباما لتصل إلى أدنى مستوياتها، سعت السياسة الروسية للتأكيد على مصالح موسكو طويلة الأجل في أفغانستان مستقرة.

مستفيداً من التوتر الحاصل بين إدارة أوباما وكرزاي يعمل الكرملين على تطوير التعاون مع أفغانستان وتعزيز موقفه كأبرز لاعب في الشؤون الإقليمية.

بكلمات أخرى، يبدو أن روسيا تتعاون مع اللاعبين الأوروبيين في أفغانستان كالولايات المتحدة والناتو وتتخذ في الوقت نفسه خطوات لتعزيز مكانتها أحيانا على حساب واشنطن، لأن لها مصالح وطنية تدفع الكرملين للعب دور حيوي في أفغانستان.

* باحثة في المنظمة الدولية للبحوث الاستراتيجية - وحدة الدراسات الروسية

والبحر الأسود.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية