الرؤساء العرب.. وتصفير العداد!

TT

ليس الوقت وقت حساب، ولا هو وقت «ألم نقل لكم»، ولكن هنيئا للعقلاء بعقلهم في منطقتنا التي تنقسم مع وضد، وتتحول إلى «هتيفة» حيث يختلط الحابل بالنابل، لكن دعونا نتوقف أمام أمر بالغ الأهمية، حيث يلوح لنا ضوء في آخر النفق!

ففي غمرة أحزاننا على ما أمست عليه القاهرة أمس من رعب وحزن ودماء، فإن أمرا ما، كبيرا، قد حدث في اليمن، حيث خرج الرئيس علي عبد الله صالح مخاطبا شعبه وقائلا: «سأقدم تنازلات». وأعلن على الملأ أنه «لا تمديد.. ولا توريث.. ولا تصفير للعداد» أي إنه لن يعود عن كلامه هذه المرة كما حدث مرات سابقة، وتصفير العداد تعبير يعرفه أبناء اليمن والخليجيون، بمعنى أنه كل ما سارت السيارة آلاف الأميال يقوم صاحبها بإعادة عدادها للصفر لكي تبدو جديدة. بل وأضاف الرئيس اليمني قائلا «برنامجي محدد في البرنامج الانتخابي وهو أي مدة الرئاسة لدورتين فقط من خمس سنوات والشعب يتداول السلطة سلميا دون الإثارة ودون تحريك الشارع، دون الغوغاء، دون كسر وتكسير المحلات، دون هدم المؤسسات، هذا غير وارد».

إذن هل نحن بخير؟ هل بدأت نفحة العقل تهب في أوطاننا العربية؟ هل عرفت الجمهوريات أنه من المستحيل أن تكون ملكيات، ولو بخراب أوطاننا؟ نتمنى ذلك، وهذا ما طرحناه في 31 يناير 2011 بمقال (هل هي أزمة النظام المصري وحده) والتي هاجمنا عليها «الهتيفة» في عالمنا العربي، وقالوا إنها محاولة للدفاع عن النظام المصري! فإشكالية جمهورياتنا واضحة، وهي أزمة قادمة لا محالة، ومهما طال تأجيلها في كل الجمهوريات العربية.

فكما يقول لي أحد النبهاء أنه وفقا للمفكر الألماني ماكس فيبر فإن للشرعية السياسية، أو شرعية السلطة، ثلاثة مصادر، هي: «التاريخية، والكاريزمية، والنظامية». ونموذج التاريخية هي الملكية، ناهيك عن أن الملكيات العاقلة هي التي تستوعب المتغيرات من حولها، وتتكيف معها. وأفضل مثال للكاريزمية في منطقتنا مثلا، هو الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وإن كان الرأي العام مثل الطقس متقلب، فبريطانيا أسقطت، بالانتخابات، رئيس وزرائها التاريخي، والكاريزمي، والمنتخب وينستون تشرشل، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة. وأخيرا فإن النموذج النظامي هو الانتخابات وتداول السلطة السلمي، وعلى غرار ما هو حادث في الدول الديمقراطية.

وعليه فإن أزمة جمهورياتنا كبيرة، وقادمة، لا محالة ما دام الحس الوطني، وتغليب مصلحة الوطن، غائبين، فلن تنفع الحيل، أو القمع، وهذا ما يقوله لنا التاريخ. وفي حال هدأت أوضاع مصر، ولبى العقلاء نداء الرئيس مبارك، وغادروا الشوارع، وتمت الإصلاحات المنشودة التي ليس بوسع النظام اليوم التراجع عنها بعد كل ما حدث، خصوصا أن مصر اليوم ليست مصر الأمس، فمن شأن المستقبل أن يكون أفضل، وفيه من الخير الكثير، خير يختلف عما تروجه إيران وحلفاؤها وعملاؤها اليوم في تصريحاتهم، لكن الطريق لا يزال أيضا طويلا وقاسيا، ويتطلب الكثير من العقل والعقلاء، وليس من يرددون «إحنا مش تونس، ولا مصر، ولا اليمن»!

[email protected]