باب في الجدار

TT

منذ اليوم الثالث، انتصب في قلب مصر جدار يراه جميع العالم، فيه باب واحد: إذا خرج منه الرئيس حسني مبارك من دون تأمين النظام العام، دخلت الفوضى. وإذا بقي اشتدت وكبرت. كان صعبا على مبارك أن يخرج بالطريقة الوحيدة التي تعرض عليه، مخلوعا ومبعدا، وكان مستحيلا أن يبقى بالطرق المسكينة التي يعرضها على الأمواج البشرية.. محكمة نقض من هنا، وتعديل حكومي من هناك. لم يستطع أن يصدق ما يراه، وهو أن مصر التي هتفت له ثلاثين عاما، تهتف الآن عليه، وأن حلفاءه في الخارج يدعونه، مع المتظاهرين، إلى الرحيل، ولكن بأسلوب غير مباشر، أو كما قال رجب طيب أردوغان: «أصغ إلى الشعب. ما من أحد فينا خالد». وقديما جاء في فرائد الأدب «إن الصريح تحت الرغوة».

لا نعرف ماذا كانت ستكون عليه تكلفة خروج الرئيس مبارك مبكرا: ما وقعها على الجيش، ماذا يحدث للاقتصاد، من يسارع إلى ملء الفراغ، أي نوع من الفراغ يمكن أن يحدث، كيف سوف ينظر العالم أجمع إلى التهاوي السريع للحكم في دولة مثل مصر! لكننا في المقابل نعرف ماذا حدث جراء قرار الرئيس مبارك بالمواجهة والتصرف «كحاكم عسكري»، وإرسال مقاتلتين في سماء العاصمة في بلد لم يخض سلاحه الجوي معركة منذ حرب 73! ونعرف أن مصر أصبحت بلدا بلا مصارف وبلا بورصة وأوادمها يحمون أحياءهم وبيوتهم بالعصي، في مواجهة زعرانها المسلحين بالسكاكين والخناجر. نعرف أن الرئيس مبارك حاول أن يستنفد كل رصيد سياسي لديه، وأن بقاءه وضع الجيش في مأزق غير ضروري، ووضع مليون شرطي في امتحان غامض ومهين، وأن كل خطوة اتخذها بعد دهر كان يمكن أن تكون مفيدة قبل العصر.

مشكلة الرئيس مبارك أنه بعد ثلاثين عاما من الحكم، لا يستطيع أن يحمل المسؤولية أحدا سواه، كما يحدث في نهايات العهود. لقد حكم جمال عبد الناصر 16 عاما (54 - 70) وحكم أنور السادات 12 عاما، وطال حكمه هو حتى فاق كل سلالات مصر. وحتى بعد ثلاثين عاما ترك مصر تتساءل: هل هو سيجدد؟ أم إن نجله سوف يرث؟ إلى أن اضطر إلى بيان العزوف.

لا ندري متى كانت الساعة الفضلى للخروج؛ فليس هناك من ساعة فضلى في المواقف الخاسرة. ولا يدري الزعيم متى يجب أن يفصل بين كرامته وكرامة بلده. ولا يعود أحد يتذكر الفارق بين يوم جاء ويوم يدعى إلى الذهاب. لقد كان أول ما فعله حسني مبارك في رئاسته إطلاق جميع السجناء السياسيين والمعارضين، وكان أسوأ ما حدث في المظاهرات ضده انفتاح أبواب السجون أمام آلاف القتلة والمجرمين.