الشرق الأوسط.. بين استقرارين

TT

إسرائيل قلقة على «استقرار» منطقة الشرق الأوسط بأكملها، وتدعو الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي «لكبح» انتقاداتها لنظام الرئيس حسني مبارك لأن «استقرار» المنطقة من استقرار مصر.

استنادا إلى صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أوصلت حكومة بنيامين نتنياهو رسالة سرية إلى الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية تطلب فيها دعم استقرار نظام الرئيس المصري حسني مبارك. وفي هذه الرسالة أكد المسؤولون الإسرائيليون أن «من مصلحة الغرب وكل الشرق الأوسط الحفاظ على استقرار النظام في مصر» وأنه «يجب وقف الانتقادات العلنية للرئيس حسني مبارك». وللتدليل على جدية قلقها طلب رئيس حكومتها، نتنياهو، من جميع وزرائه الامتناع عن أي تعليق «علني» على الوضع في مصر.

من الطبيعي، بعد انهيار تحالف إسرائيل الاستراتيجي مع تركيا، أن تؤدي خسارتها لنظام صديق في مصر إلى زيادة عزلتها الإقليمية، وخصوصا العربية، كون مصر واحدة من دولتين عربيتين فقط وقعتا سلاما تعاقديا معها.

ورغم أن العلاقة المصرية - الإسرائيلية بقيت، بعد اتفاق «كامب ديفيد»، في نطاق «السلام البارد» فقد ظل «كامب ديفيد» أهم إنجاز سياسي - استراتيجي حققته إسرائيل في الشرق الأوسط منذ قيامها عام 1948: أجواء الأمن التي وفرها على حدودها الجنوبية مكنتها من أن تركز حروبها على «الجبهة الشمالية» (مع لبنان) وأن تحمي التوسع الاستيطاني في القدس والضفة، وأن تخفض إنفاقها العسكري لتخصص المزيد من الأموال لعمليات الاستيطان والقطاعات الاقتصادية الأخرى.

ومهما حاولت إسرائيل أن تبرر قلقها على «استقرار» المنطقة بما تعتبره تراجعا متواصلا للنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط (علما بأن لإسرائيل نفسها اليد الطولى في هذه الظاهرة نتيجة رفضها المطلق لاقتراحات واشنطن لتسوية مقبولة للقضية الفلسطينية)، يبقى منطقها القائل بان استقرار المنطقة من استقرار مصر ناقصا ما لم يأخذ في الحسبان كون الركيزة الفعلية لهذا الاستقرار هي المؤسسة العسكرية.

قد يعود التباين القائم بين نظرتي إسرائيل والولايات المتحدة إلى أحداث مصر إلى تجاهل إسرائيل دور الجيش المصري في حسم الوضع لصالح هذه الجهة أو تلك. وقد يكون تقدير واشنطن لأهمية دور المؤسسة العسكرية المصرية - التي تمدها بمساعدة سنوية تبلغ الـ1.3 مليار دولار - الخلفية السياسية لرهانها على أن استقرار مصر يضمنه، بشكل أفضل، الانتقال السلمي للسلطة من نظام مبارك الشمولي إلى نظام أكثر ديمقراطية يتجاوب مع تطلعات الشارع المصري لإصلاحات جدية على كل الأصعدة: الإدارية والسياسية والاقتصادية.. ما يوحي، تلميحا، بإن ضمان هذا الانتقال بات مسؤولية الجيش.

على خلفية تصرف اللاعبين الأساسيين على الساحة المصرية، الجيش والشارع، يمكن الاستنتاج – حتى الآن على الأقل - بأن الخوف على استقرار مصر مبالغ فيه، فتجنب الجيش لأي تصد قمعي لمظاهرات واعتصامات الشوارع، وما أظهره من «احترام» لحق التظاهر رغم استمرار سريان نظام الطوارئ، يوحيان بأنه يمهد للعب دور وطني لم تكتمل صياغة تفاصيله حتى كتابة هذه السطور، وربما لم تحن بعد ساعته، ولكن هدفه النهائي يبقى تأمين انتقال سلمي للسلطة من عهد إلى عهد بأقل خسارة ممكنة للبلاد ولسيدها الحاكم منذ ثلاثين سنة.