من التوريث إلى «التوريط»!

TT

أيام عصيبة تشهدها المنطقة العربية وهي تتابع بشغف واهتمام وترقب توابع الزلزال السياسي في مصر وما الذي سيسفر عنه.

كان المصريون قلقين وغاضبين بسبب الاتجاهات التي كانت تسير عليها البلاد فيما يخص سياستها المستقبلية، والتي كانت تشير، بحسب شريحة من المصريين، بوجود نوايا إعداد ابن الرئيس جمال لخلافة والده في سدة الحكم، وهو الذي أدى طبعا إلى «طبخ» نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة بشكل استفزازي غيبت النتائج فيها كل وجود المعارضة، وهي معارضة واضحة ومعروفة وبالتالي لم يكن مقنعا إخفاؤها بهذا الشكل.

هناك أصوات غاضبة كثيرة في مصر.. أصوات تنادي بالحرية والعدالة ومواجهة الفقر والبطالة والفساد وإصلاح سياسي حقيقي. وبعد أيام من المواجهات التكتيكية بين النظام والجماهير الغاضبة جولة لصالح فريق الجماهير بلافتات وأعداد ثم قرارات من النظام، جولة هنا وجولة هناك والعالم يراقب حتى كان الخطاب الثاني للرئيس مبارك خلال هذه الأزمة والذي قدم فيه ما كان يطلبه المحتجون وتعهد بعدم الترشيح مجددا وتعديل مواد الدستور المثيرة للجدل وبالتالي فتح المجال لمن يرغب في الترشيح للانتخابات الرئاسية دون وجود سقف مقيد يجعل هذه المهمة أشبه بالمهمة المستحيلة.

وبهذه الخطوة التكتيكية استطاع الرئيس مبارك أن يصنع شرخا في الجماهير التي كانت غاضبة ورافضة له لتظهر بعد هذا الخطاب سلسلة من المظاهرات المؤيدة له، وتوظيف جيد للخطاب على الشاشات الإعلامية المصرية المختلفة الخاص منها والعام بشكل درامي وعاطفي ملحوظ حتى تم تحويل المشهد السياسي من سياسي بحت إلى عاطفي وإنساني خالص.

المشكلة الأخطر اليوم هو الشلل الذي أصاب مصر.. وهو الشلل الذي بدأ يؤثر نفسيا وبشكل ملموس على حال المنطقة عموما، وها هي أعراض الإنفلونزا السياسية التونسية المصرية تصيب الأردن فيضطر إلى إقالة الحكومة، وتصيب اليمن فيعلن رئيسها عن عدم نيته للترشيح لرئاسة اليمن مجددا ولا لتوريث ابنه، وكلتا الحالتين هما إجراءات استباقية لدرء المشاكل التي من الممكن أن تحدث.

انتقل الحديث في مصر اليوم من التوريث إلى التوريط. اليوم البلد في ورطة، ورطة شعبية في الشارع بين حزب إسقاط النظام وبين حزب التعاطف مع شخص الرئيس. ورطة شعبية بين شخصنة المطلب في مسألة إهانة الرئيس بإذلاله وإخراجه بشكل مجحف وسلبي وبين تحقيق المطالب السياسية التي قدمت وتم الاستجابة لها.

حسنى مبارك له من الأخطاء الشيء الكثير ولكن انجازاته من المهم تذكرها. فهو تسلم بلدا لم يكن فيه ذرة بنية تحتية محترمة؛ مصانع مهترئة واقتصاد منهك مدمر وعلاقات مقطوعة مع عالمه العربي. أخطأ نظامه في أشياء كثيرة ولم يقرأ رغبات الشارع السياسي بشكل جيد، ولكن تصويره اليوم بأنه أبو الاستبداد والظلم والديكتاتورية فيه مبالغة وخصوصا من أناس محسوبين على التيار الناصري الذي يرفع صور عبد الناصر في المظاهرات وهو الشخص الذي أسس حكم الاستخبارات والمعتقلات وكان أول من زيف انتخابات الـ 99 في المائة الشهيرة وصدر الحكم العسكري و«طير» أراضي العرب في نكسة 1967 الشهيرة ومع كل هذه الخطايا الكارثية غفر المصريون له!

اليوم حسنى مبارك له من الانجازات المشرفة أضعاف مضاعفة من عبد الناصر وزمرته، ولذلك مصر مطلوب منها لحظة تعقل يتم فيها نقل السلطة بشكل حضاري وسلمي يتم فيه ترسيخ الديمقراطية بشكل عظيم وتكون هدية وداعية من رجل خدم بلاده وأعاد لبلاده الديمقراطية التي كانت موجودة والحرية والبرلمان الفعال التي صادرها جميعا انقلاب 1952.

[email protected]