لماذا لا يُحب الناس قائدهم؟

TT

القائد يستمد قوّته من مناصريه وإنجازاته ورؤيته الثاقبة. ومن أبجديات القيادة أن يكون القائد مؤثرا في مرؤوسيه من دون نهر ولا زجر بل بشخصيته الكاريزماتية الفذة التي تحقق آمالهم وتطلعاتهم. لكن متى لا يحب الناس هذا القائد؟

من أسباب عدم محبة الناس لقائدهم أن يكون قد قفز إلى كرسيه عُنوة أو بمحسوبية، ولم يكن لديه مشروعا يلبي حاجاتهم وطموحاتهم. ويزيد الطين بِلة إذا ما وهب مناصب رفيعة في مؤسسته لأحبابه وأصهاره ومنافقيه. ولا يُدرك هذا القائد أن تعيين الكفاءات في المؤسسة التي يقودها إنما يساهم في تقويتها وتعزيز مكانتها والارتقاء بأدائها. كما أن القائد قد يجد حرجا في محاسبة محبيه وأصدقائه إن هم أخطئوا بخلاف الآخرين، وربما يتكئ هؤلاء على متانة علاقتهم بالقائد فيتراخوا عن تأدية دورهم المطلوب.

والمتأمل في تاريخ الشركات والمؤسسات والحكومات، يرى كيف أدى تعيين غير الأكفاء في تدهور أدائهم، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا وُسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة».

ويكره الناس قائدهم إذا ما أقصى مخالفيه بالرأي، وهو بفعلته هذه لا يدرك أن الرأي الآخر يثريه لأنه ينظر إلى الأمور من زاوية أخرى. والرأي الآخر يكشف للقائد أحيانا سوءات المخطئين أو تقصيرهم فيمكنه المسارعة إلى إصلاح الخلل. وقد أعجبني الرئيس التنفيذي لشركة عربية، الذي استشارني في تعين مسؤول رفيع أعرفه، وذلك حينما قال "لا أريد شخصا يوافقني الرأي باستمرار، ولا معارضا دائما لا يقدم حلولا بديلة". وهناك مقولة إدارية جميلة وهي: دإذا كنت تتفق مع مديرك باستمرار فإن أحدكما ليس له أهمية في العمل».

في بعض الأحيان ينقلب الناس فجأة على قائدهم، الذي كان محبوبا، بعد أن يكتشفوا أنه كان يخدرهم بوعودٍ ورديةٍ، لا ينوي فعليا تنفيذها، فيتكاتفون على الإطاحة به، إما باقتناص كل فرصة ممكنة لإبراز أخطاءه في الشركة أو الوظيفة العامة. ولا يختلف اثنان على أننا نعيش في عصر إعلامي يتطور بصورة مذهلة فإذا ما أخفقت شخصية عامة أو رئيس حكومة أو وزير في أدائه فإن وسائل الإعلام ستقف له بالمرصاد، وتتناقل أخطائه بسرعة البرق خصوصا إذا ما كانت جسيمة. وهو ما أشاهده باستمرار على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي. وليس للقائد في هذا العصر سوى أن يحسن أدائه ويسارع بالاعتراف بخطئه. وأذكر أن وزيرة الصحة بدولة الكويت د.معصومة المبارك قد قدمت استقالتها بعد نشوب حريق هائل في مستشفى راح ضحيته مرضى أبرياء. وقد حذا حذو د.معصومة أيضا عشرات القياديين الشجعان في عالمنا العربي.

ولكن الهروب من المواجهة وحده لا يشفع للقائد، فالاستقالة أو الاعتذار ليس كافيا، بل يجدر به أن يتخذ خطوات إصلاحية عملية كتشكيل لجان تحقيق نزيهة أو إحلال بديل أفضل. فالتاريخ لا ينسى القرارات الإصلاحية ولكنه ربما ينسى مشاعر الناس.

ولا نذيع سرا إن قلنا إن أحد أسباب سخط الناس على قائدهم ينبع من تجاهله للتغيرات التي تجري في سوق العمل من رواتب وامتيازات، وإمعانه في ذلك يجعل أتباعه وحلفائه ينفضوا من حوله بسرعة كما تنفلت حبات المسباح.

وبطبيعة الحال، لا يحب الناس قائدهم إذا كان يفتقر لأبسط مقومات الشخصية المؤثرة في الناس كالذكاء الاجتماعي وهو القدرة على احتواء الناس وحسن التعامل معهم على اختلاف شخصياتهم.

وإنني لا استغرب حقيقة كيف يصر أي رئيس حكومة على الاستمرار في منصبه في وقت ترفض كل الكتل البرلمانية التعامل معه. فمن قواعد العمل السياسي أن ينسجم رئيس الوزراء (القائد التنفيذي) مع الكتل السياسية، بل ويتوقع منه تشكيل حكومة تعكس هذه الأغلبية البرلمانية، حتى تسير دفة البلاد إلى بر الأمان وتنجز خطتها الإستراتيجية، إن وجدت.

إذا كان الناس بكل فئاتهم مصرون على رفض التعامل مع قائدهم فالأجدى له ولهم أن يتركهم وشأنهم شريطة ألا يترك المؤسسة في مهب الريح، بل يضع قرارات إصلاحية تنسجم مع آمال وتطلعات أتباعه، وإذا اجتهد ولم يُفلح فليتقدم باستقالته ليُريح ويَستريح.

* كاتب متخصص في الإدارة