مصر تشهد ولادة ثورة جديدة

TT

تركز وسائل الإعلام العالمية والمحلية لأكثر من أسبوع على الأحداث الجارية في مصر، وتصفها بـ«الثورة».

ولكن هل هذه هي ثورة؟

وإذا كان الجواب نعم، هل يجب أن نكون راضين عن ذلك؟

ويتم تحديد الثورات دائما على هذا النحو بعد أن تكون قد حدثت.

فعندما هجمت مجموعة من المتظاهرين على سجن الباستيل في باريس للإفراج عن تسعة سجناء، لم يعرف أحد أنها كانت شرارة لبداية الثورة. ولكن يعتقد أن الهجوم على البلاشفة في الدوما الروسي (البرلمان) كان على الزناد من أجل الثورة.

كذلك الأمر عند حرق أكشاك الصحف في مدينة قم الإيرانية، لم يتصور أحد أن الثورة كانت على قدم وساق في إيران.

وفي كل حالة، تقوم الحكومات بمحاولة القضاء على الثورة في بدايتها. ولكنهم لا يعتقدون أنها سوف تقود إلى ثورة حقيقة!

هذه الثورات حدثت لحظة تراجع القوى من أجل إرضاء الجماهير.

تذكرني الثورات بقصة من تأليف تشيكوف: حيث كان هنالك رجل معه مزلاقة ثلجية في سيبيريا بينما كانت الذئاب تطارده. قام برمي كل ما لديه من طعام لاسترضاء الذئاب التي تطارده. هذا يعطيها القوة لمواصلة سعيها. إنه لا يعرف أن هدفهم النهائي هو أكله.

على أي حال، ففي الساحة المصرية، دعونا ننتظر حدوث الثورة إن صح التعبير، بعد ذلك نستطيع الحكم. في الوقت الحاضر ضمن الأحداث التي نشهدها، ليس هناك ثورة في مصر.

ما لدينا هو مسيرات احتجاجية، وإغلاق بعض المتاجر والمنازل الخاصة، وأكليشيهات المعتادة من الدبابات في الشوارع.

إن هذه الأحداث يمكن أن تصبح ثورة، لكنها لم تحدث بعد.

لنفترض أن هذا هو ثورة، هل يجب أن نكون سعداء؟

هذا السؤال تصعب الإجابة عنه لأن الثورة هي الشعار الذي يصف أحداثا عديدة ومختلفة.

على سبيل المثال، نتحدث عن الثورة الصناعية، وفي الآونة الأخيرة ثورة تكنولوجيا المعلومات.

أحيانا يستخدم هذا المصطلح للأغراض المدنية. مثل المحال التجارية التي تعلن عن «ثورة» في الأسعار، وكذلك الأمر بالنسبة للسيدة غاغا المطربة المشهورة التي أثارت ثورة في عالم الموسيقى.

كان القادة يسمون الانقلابات بالثورة كما حدث مع حسني الزعيم ومعمر القذافي وصدام حسين. لكن بالنسبة لحافظ الأسد كان متواضعا بما فيه الكفاية لتسمية انقلابه بـ«الحركة التصحيحية».

الفرنسيون يحبون كلمة «الثورة» فيستخدمونها في أي تغيير في الإدارة العليا للبلاد أو الحكومة، إذ كانت هناك عدة ثورات في فرنسا عام 1830، 1848، و1871 وعام 1968.

في عام 1848 كان هنالك أكثر من اثنتي عشرة ثورة حدثت في أوروبا.

وفي الآونة الأخيرة أصبحت الثورات تصمم بالألوان المختلفة وبأسماء الزهور مثل «ثورة القرنفل» في البرتغال، و«الثورة البرتقالية» في أوكرانيا، وما شابه ذلك.

معظم المؤرخين يؤكدون أنه ليس كل هذه الثورات يجب أن تسمى ثورة، وإن اثنتين فقط تستحقان تسمية الثورة وهما: سقوط البوربون في فرنسا عام 1789، ورومانوف في روسيا في عام 1917.

حجتهم هي أن هذه الأحداث لم تغير فقط حياة الشعبين الفرنسي والروسي، ولكن أدت أيضا إلى الحروب، سواء الساخنة أو الباردة، التي أثرت على بلدان أخرى.

وأود الإضافة بأن ثورة سنة 1979 في إيران، على الرغم من أنها لم تستوف جميع الشروط لنموذج المؤرخين، فإنه وفي هذا التحليل، سوف أتركها جانبا بسبب عدم النظام الذي خلق بعد الإطاحة بالنظام الحاكم.

ولكن، ماذا عن الثورات الفرنسية والروسية؟

نحن نعلم أن كل من ادعى الحفاظ على ملايين الأرواح من الناس الأبرياء، تسبب في دمار وحزن كبير، وانتهى الأمر في نهاية المطاف إلى الفشل.

فرنسا اليوم أصغر من فرنسا أيام الثورة الكبرى. لكن لا تزال البلاد تعاني من الإفراط والمبالغة في نظام المركزية الذي أوجدته الثورة.

الاعتقاد هو بأن العنف فقط قد دخل ضمن تركيبة البشرية وأصبح حافزا لها في السياسة الفرنسية. لهذا السبب عانت فرنسا من النشاطات الإرهابية في كل الأنواع، ولا يزال الاتحاد الأوروبي الأكثر تضررا من النزاعات الصناعية والضربات العنيفة. وإن نهج سياسة التطرف في السياسية الفرنسية هو الجزء الوحيد من التراث الثوري.

لا يمكن إعادة القول هذا إلى أن روسيا حاليا أصغر مما كانت عليه أيام حكم قيصر الماضي وما زالت تحاول الخروج من الحفرة التي سقطت فيها عام 1917. في كل سنة يتم اكتشاف مقابر جماعية من ضحايا الحرب البلشفية في أنحاء البلاد الروسية.

إن محاولة فلاديمير بوتين خلق حياة جديدة من الاستبداد، ما هي إلا علامة من علامات الفوضى والارتباك التي لا يزال يتعين على روسيا أن تتخلص منها.

على كل حال، فشلت الثورات الفرنسية والروسية في التغلب على ثقافات نمت على مر القرون.

إن الثورة هي مفهوم جديد في البلدان الإسلامية. حتى العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر، فإن اللغات الإسلامية، التي تضم العربية والفارسية والتركية، لم يذكر فيها ولا حتى كلمة واحده للثورة.

المعارضة للحكومة في مكان ما تسمى «فتنة».

فمثلا لنذهب إلى مصر، فنستطيع أن نسمي ما قام به الضباط الأحرار الذين استولوا على السلطة عام 1952 بالثوار. وهكذا، ما قد يحدث في مصر لا يمكن أن يكون بداية للثورة ولكن بدايات الخروج من ما حدث عام 1952.

إن الانقلاب المصري عام 1952 على الملك فاروق وضع المجتمع المصري على مسار مختلف. فقبل ذلك، كان نظام مصر الرأسمالي بدائيا جدا وينمو ببطء مقارنة مع البلاد الغربية إن تم منحهم الوقت، قد تسلطت عليه تطلعات إقطاعية لصالح الدول الحديثة والمتطورة عبر المياه.

إن انقلاب 1952 قام بإنشاء دولة بوليسية تستخدم المركزية في صنع القرار. بعد نصف قرن من ذلك لا نزال في حاجة للارتقاء بوضع البلاد وتحسينه من خلال حالة الطوارئ وحظر التجول.

والكل منا يعرف عن الرئيس المصري الأسبق الذي يعتبر رجلا من الرجال الذين يتميزون بالنزاهة الشخصية وهو جمال عبد الناصر، كان أوتوقراطيا على الرغم من نزاهته. إضافة إلى ذلك، الرئيس المصري السابق أنور السادات؛ حيث حاول أن يكون نابليون وتشارلز العاشر لمصر. وحسني مبارك الذي اهتم بالقطاع الاقتصادي وأهمل القطاع السياسي والداخلي للمنطقة ولشعبه.

إن الدخول في الثورة أمر سهل للغاية وممتع، ولكن في الوقت نفسه الخروج منه صعب ومؤلم. ففي عام 1979 كان لدي العديد من الأصدقاء وكانوا مهتمين أشد الاهتمام بالثورة، ولكن مع بداية عام 1983 لقوا حتفهم جميعا من خلال إعدامهم من قبل الملالي. لذا ينبغي على المصريين الخروج من هذه الأوضاع الراهنة.