ما بعد زلزال مصر السياسي

TT

لم أجد أدق من وصف «زلزال» لتوصيف الوضع السياسي في مصر الآن. فنحن نمر بمرحلة ما بعد الرئيس مبارك، سواء استقال أو استمر، إلى أن تنقضي فترته الرئاسية، إلا أن هناك واقعا قد تشكل على الأرض وارتداداته طالت العالم كله.

هناك صمت عربي مطبق، إلا من بعض حلفاء إيران التي عادت تلتزم الصمت خوفا مما قد يترتب عليه نجاح المتظاهرين في القاهرة، وقد ينعكس عليها من خلال إحياء روح التظاهر في طهران مجددا. وهناك قلق دولي يتضح من حجم الربكة الأميركية في التعامل مع ما يحدث في مصر، والقلق كبير، فهناك مصالح حيوية قد تتأثر بشكل دراماتيكي.

الأسئلة الآن كثيرة، إلا أن الإجابات كلها تخمين. فإلى أين تسير مصر؟ هل يُختطف جهد الشباب وتنتهي مصر محكومة من قبل الإخوان المسلمين؟ أم هل تُختطف مصر من قبل العسكر مرة أخرى وتذهب في ديكتاتورية حقيقية، وتخسر ما تحقق لها، ناهيك عن الخسارة الاقتصادية؟ أم تغرق مصر في مشكلاتها وتنكفئ على نفسها لفترة طويلة؟ أم تسير إلى دولة ديمقراطية حقيقية، وتنهض اقتصاديا وسياسيا. وبالتالي، يصبح لمصر دور إقليمي فاعل، مجددا، وتتبدد مخاوف سقوط مصر بيد الإسلاميين؟

كلها أسئلة مستحقة، وتقض مضاجع المنطقة، عدوا وصديقا، وكذلك المجتمع الدولي، وعلى رأسه أميركا. فدوليا هذه أول مظاهرة عربية لا تحرق فيها أعلام إسرائيل أو أميركا، وليس فيها شعارات سياسية دولية. هي صرخة محلية تطالب بقيم متعارف عليها دوليا، مثل العدالة والديمقراطية ومحاربة الفساد، وأن يحكم الشعب نفسه بنفسه. والواضح أن الغرب، وتحديدا أميركا، يقفون عاجزين عن فعل أي شيء، فالموجة أعلى مما كانوا يتوقعون، ورياح التغيير أسرع من مقدرة واشنطن على التفكير، والدليل كثرة التصاريح الصادرة من هناك، ويد أميركا عاجزة إلى اللحظة.

ومن هنا، فإن ما سوف يحدث في مصر ما بعد مبارك سيترتب عليه الكثير سياسيا، خصوصا السياسة الخارجية لدول المنطقة، وتحديدا الكبرى منها. فمصر حليف استراتيجي للسعودية وبعض من دول الخليج، ناهيك عن الأردن ودول أخرى في المنطقة، ومصر حليف استراتيجي للغرب أيضا. كما أن تأثير مصر حتى على خصوم سياستها في العالم العربي كبير، مهما ادعوا إظهار عكس ذلك. فدمشق بشكلها الحالي، مثلا، لن تحتمل مصر كديمقراطية حقيقية، كما لن تحتملها وهي تحت سيطرة الإخوان، إن على دمشق حينها - إن أرادت التعايش مع القاهرة - تقديم تنازلات قاسية. كما أن السوريين سيدفعون ثمنا لو غرقت مصر في الفوضى، وترتب على ذلك خلل قد يقود إلى تدخل إسرائيلي لا تحمد عقباه.

وعليه، فأينما نظرنا فالصورة ضبابية، وكل شيء يترتب على ما سوف يحدث في مصر، إما على مدار الساعة، أو الأيام والأشهر الماضية، وليس لأي طرف مقدرة على التأثير، إلا غير الإيجابي بالطبع، لكن يظل التأثير الحقيقي بيد عقلاء مصر وحدهم حتى اللحظة.

فهل يقودون التحول بهدوء من دون أن تنزلق البلاد إلى غياهب المجهول؟

[email protected]