أردوغان وحفرة المترين المكعبين!

TT

يخطئ كل من يراهن على أن العلاقات التركية - المصرية، خصوصا في السنوات الثلاث الماضية، كانت كالسمن على العسل. كانت هناك منافسة إقليمية علنية وسرية حول أكثر من ملف وقضية، وكانت الرؤى والتحاليل تتضارب وتتعارض في التعامل مع أكثر من مشروع وخيار لا حاجة إلى تعدادها هنا، لكنها كانت كافية لتخفيض حجم التبادل التجاري والانفتاح السياسي والتنسيق الإقليمي الذي خدم مصالح أطراف أخرى إقليمية ودولية فشلت القيادات بالبلدين في الالتفاف عليه ومعالجته وحسمه.

رجب طيب أردوغان الذي نجح في دغدغة مشاعر الشارع العربي في قمة سرت الأخيرة بعدما وحد قدر ومصير بيروت ودمشق والقاهرة واسطنبول والقدس، قرر - ومن منطلق الأخوة قبل الصداقة - الدخول على خط الأزمة المصرية، التي تجنبت الكثير من العواصم والقيادات العربية والغربية الاقتراب من قطع الجمر التي تحيط بها، وخصوصا بعدما تحول الموضوع المصري إلى سبب للمواجهة بين الحكم وأقلام معارضة تركية تستغرب صمت أردوغان هنا على غير عادته بالمقارنة مع مواقفه في قضايا إقليمية مشابهة.

أردوغان ذكر أولا المصريين شعبا وقيادة بأن اللحظة اليوم هي لحظة تسامح وألفة، وأن الوقت هو وقت الإصغاء والاستجابة لما يقوله الشارع والرأي العام المصري الذي يطالب بالمزيد من الإصلاحات الديمقراطية والمستقبل المبني على توسيع رقعة العدالة والحرية والازدهار. لكنه في صباح اليوم التالي كان أكثر صراحة عندما اطلع على كلمة الرئيس المصري الذي قرر البقاء في مقعد الرئاسة حتى نهاية حكمه، فسارع ليزيد «لم تكن هذه الخطوة المنتظرة»، حاسما موقف حكومته من مجريات الأمور في مصر، ومحددا الجانب الذي اختارته تركيا في هذه المواجهة المصرية – المصرية.

ربما لجوء أردوغان لتذكير الرئيس المصري بأن كل ما نأخذه معنا هو قطعة من القماش الأبيض تلف حولنا في حفرة بحدود المترين المكعبين لا أكثر نستقر فيها، قد يبرر له دخوله على خط الأزمة المصرية من منطلق ديني إسلامي بحت. البعض الآخر قد يرى أنه بقدر ما تسمح الولايات المتحدة لنفسها بالاقتراب من الأزمة المصرية وتحديد المواقف وتوجيه الانتقادات، يحق لتركيا، التي تتعامل منذ سنوات بشكل فاعل مع أكثر من مسألة عربية وإقليمية، أن تعبر عن مواقفها وتمنياتها على هذا النحو، حتى ولو تحول أردوغان إلى أول زعيم يطالب بشكل أو بآخر برحيل الرئيس المصري كما فهمنا.

ربما أيضا قد يسارع البعض لانتقاد مواقف أردوغان هذه ويرى فيها تدخلا مباشرا في الشأن الداخلي المصري. لكننا قبل أن نفعل ذلك، علينا تذكر المواقف الأخيرة لرئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو الذي كان أكثر وضوحا من أردوغان حين طالب بضمانات إقليمية ودولية لحماية الاتفاقيات والمعاهدات الموقعة بين القاهرة وتل أبيب وجعلها في مقدمة التعهدات الواجب الالتزام بها من قبل أي حكومة ورئاسة تتسلم دفة الحكم في مصر، ثم تابع في اليوم التالي يقول إن الأزمة المصرية قد تتحول إلى حرب أهلية تدوم لسنوات طويلة، متجاهلا حجم المغامرة التي رضي بها الرئيس المصري لحماية تعهداته الدولية. وها هو يتابع كيف تخلى الجانب الإسرائيلي عنه بمثل هذه البساطة على حساب مصالحه واستقراره وأمنه حتى ولو كانت مصر والشعب المصري هما من يدفع الثمن الباهظ اليوم.

كنا نتمنى ألا يقترب أردوغان على هذا النحو من موقد الفحم المصري في هذه الآونة رغم إعلانه أنه لا يتدخل في الشأن المصري، بل يحاول أن يساعد المصريين على قراءة المشهد كما يبدو من الخارج، لكن ما قد يساعد رئيس الوزراء التركي على ترجمة أقواله هو ربما التحرك بأسرع ما يمكن عربيا وإسلاميا لتوسيع رقعة التنسيق من أجل إطلاق مبادرة فورية وعملية تساعد الشعب والقيادة المصرية على الخروج من المحنة بعدما اختار الكثير من الدول العربية - وحتى جامعة الدول العربية، التي ذكر أمينها العام أنه قد يترشح لرئاسة الجمهورية في مصر - الوقوف على الحياد والاكتفاء بمتابعة المشهد نقلا مباشرا على الهواء، فالوجع والألم قد يصل مخففا على هذا النحو.. ربما!