عندما يكذب الإمام!

TT

من الأمثال أو الأقوال المتداولة: «إن الكذب هو ملح الرجال»، وهذا صحيح إلى حد ما - على شرط ألا يكون ذلك الكذب فيه تدليس أو ضرر لأحد.

وإنني شخصيا أمارس ذلك الكذب بين الحين والآخر على نطاق ضيق، ومنه مثلا أنني استأذنت يوما من والدي - رحمه الله - للذهاب إلى الرياض فأذن لي، واستغللتها فرصة وخطفت رجلي بالذهاب إلى بيروت لمدة أربعة أيام (طحنت فيها الحب الذي في رأسي)، وعندما عدت وسلمت عليه سألني عن الجو في الرياض، فقلت له: إنه كالعادة ممتلئ بالغبار، ولم أكن أعلم أن مدينة الرياض قد تعرضت لأمطار هائلة لم تشهدها خلال عقود، وكانت (فضيحتي بجلاجل).

غير أن كذبتي هذه تعتبر من العيار الخفيف ولم تؤذ أحدا سواي، وهي تهون عن كذبة رجل حكاها لي عندما قال:

أردت أن أتزوج بفتاة وطلبت من أخي الأكبر أن يذهب إلى والدها ويخطبها منه لي، وبدلا من أن يفعل ذلك إذا به يخطبها هو لنفسه، وما هي إلا فترة حتى تزوجها فوق زوجته أم عياله.

وإلى هنا والموضوع عادي ويحصل في أفضل العائلات، غير أن الكذبة حدثت عندما قال ذلك الأخ لزوجتيه إنه ذاهب إلى البر في الصحراء مع مجموعة من زملائه لمدة أسبوع، بينما هو في الواقع قد خطف رجله إلى القاهرة مثلما خطفت أنا قبله رجلي إلى بيروت.

ويشاء الله تعالى أن يحصل في القاهرة ما يحصل الآن من مظاهرات، وإذا به يعلق هناك ويتصل بأخيه الأصغر مستنجدا بأن يدبر له حجزا للرجوع إلى السعودية، عندها ما كان من أخيه اللئيم إلا أن يرد له الصاع صاعين وينتقم منه، فبدلا من أن ينجده اتصل بزوجتيه الاثنتين قائلا لهما: إن زوجكما لم يكن في البر، وإنما هو كذب عليكما وسافر إلى القاهرة. وزاد الطين بلة أنه قال لهما كذلك: ويبدو أنه متزوج فوقكما بامرأة ثالثة.

عندها اشتعلت الحرائق عند زوجتيه، وما زالت الحرائق مشتعلة ولم يستطع ذلك الرجل إطفاءها رغم رجوعه واعتذاره عن كذبه، وحلفانه بأنه لم يتزوج هناك، وأن أخاه هو الذي يكذب عليهما.

فعلا مؤكد، بل وصحيح ذلك المثل القائل: «إن حبل الكذب قصير».

وهذه الحادثة ذكرتني بحادثة أخرى تناقلتها الأخبار بجميع وسائل الإعلام، وذلك عندما اختطفت طائرة (الجابرية) الكويتية قبل سنوات، وكان من ضمن ركابها شيخ كويتي ورع، كذب على أهله مدعيا أنه ذهب إلى مكة المكرمة لأداء العمرة، بينما كان قد حجز على متن تلك الطائرة للذهاب إلى (بانكوك) ليرفه عن نفسه ويمتعها عدة أيام. وتشاء المقادير أن تختطف تلك الطائرة، وإذا بمحطات التلفزيونات الفضائية تتناقل صور ركابها، وأول صورة من الصور التي ملأت شاشات التلفزيونات هي لذلك الشيخ الورع، الذي يقال إنه كان إماما لأحد المساجد!

فما أكثر الملح عندنا نحن معشر الرجال! وما أكثر حبات (البونبوني) عند النساء!

[email protected]