هو أنطونيو وأنطونيو هو

TT

تكثر الدعوات في العالم العربي إلى إقامة نظام دستوري، كأنما ثمة نقص في ترف الدساتير، أو عجز في صياغتها أو تردد في تفسيرها وتسخيرها. الدستور المصري وضع منذ 1959 كل شيء في يد الرئيس. ومع بعض التعديلات عام 1971 ازدادت صلاحيات الرئيس. وكل تعديل ربط الموافقة على قرارات الرئيس بالحصول على أكثرية الثلثين في مجلس الشعب، ومجلس الشعب هو صورة الحزب، الحاكم، والحزب الحاكم هو صوت الرئيس.

يجب أن لا ننسى أن الحزب الذي حكم الحبيب بورقيبة باسمه سمي الحزب الدستوري. وكان أسهل ما فعل الرئيس أحمد بن بللا في الجزائر تعطيل الدستور بعدما جعل من نفسه أمينا عاما للحزب ورئيسا للحكومة ووزيرا للاقتصاد والمال والإعلام والداخلية. ولا أذكر عدد الوزارات الأخرى. لقد عاملت الدول العربية الدساتير كمطايا لممارسة الأحكام خلافا للروح الدستورية. ولم يحل وجود دستور دون وجود مرشح واحد لرئاسة الجمهورية. وقد عدل الرئيس حسني مبارك هذا الحصر عام 2005 عندما طلب من مجلس الشعب تعديل المادة 76، لكن الشروط التي أرفقت بالتعديل جعلت ترشيح أي شخص آخر مستحيلا. فقد وضع إمكانية الترشيح في يد مجلس الشعب ومجلس الشعب في يد الحزب الحاكم والحزب الحاكم في يد الرئيس.

بقي السودان من دون دستور حتى 1973 فلما وضع أخيرا قالت المادة 80 منه: «رئيس الجمهورية هو رأس الدولة ويتولى السلطة التنفيذية ويشارك في السلطة التشريعية». أو على ما يغني عبد الوهاب من قول شوقي: «أنا أنطونيو وأنطونيو أنا». ولست أعرف في أي دستور آخر في العالم، وعبر التاريخ، ورد نص يسمح للرئيس بأن يشارك في السلطة التشريعية.

كان أول رئيس لبناني، الشيخ بشارة الخوري، مرشح «الكتلة الدستورية». لكنني لا أعتقد أن الدستور أهين أو أسيء استخدامه وأسيئت معاملته في أي بلد، كما حدث له في لبنان. فالفريق جعفر النميري كان صريحا غير موارب: الرئيس هو السلطة التنفيذية وهو السلطة التشريعية معا. وهو السلطة القضائية قبل هذا وذاك؛ ففي مرحلة الود مع العقيد معمر القذافي طلب منه إرغام طائرة بريطانية مدنية على الهبوط في طرابلس وإنزال ضابطين سودانيين «فارين» فيها وتسليمهما إلى الخرطوم لإعدامهما. طبعا قبل المحاكمة، لأن المحاكمة والحكم، يجريان ويصدران لاحقا، وفقا لرسم كاريكاتوري شهير في السبعينات. الدستور والقانون وما إليهما، مجرد وجهة نظر.