كان يسقي الماء في جامع عمرو!

TT

عن كتاب للمستشرقة الإيطالية ليندا كاروتوليني الذي عنوانه بالإيطالية «لا تخف من أعظم الشعراء».. دار «ماندوري للنشر»: لا بد من أبي تمام. أي لا بد أن تقرأ وتسمع شعره وتحفظ منه الكثير. فهو يستحق ذلك. ووصفوا شعر أبي تمام (806م - 846م)، بأنه الحكمة المرسلة الجميلة. ولا بد أن تقرأ البحتري أيضا. فهما معاصران متلازمان. أبو تمام أقوى، والبحتري أرق.

أبو تمام يصدك ويردك بألفاظه الغليظة، والبحتري يحتويك بشعره الغنائي الرقيق.

ولم يتصور أحد من الذين كانوا يترددون على مسجد عمرو بن العاص في القاهرة أن هذا الشاب النحيف الذي يسقي الناس هو أعظم شعراء العرب.. والذي كان يطلب إلى الناس أن يرتدوا ملابسهم ليعرف طولها وعرضها، لم يكن أحد يتصور أن هذا هو أبو تمام العظيم.

وكذلك الذين رأوا ذلك الأستاذ الطويل النحيف الجامد الملامح الذي إذا ضحك كان انفجارا بأن هذا المدرس الكئيب دائما هو المفكر العظيم عباس العقاد.

وأبو تمام ككل العظماء لا بد أن تكون له طفولة غريبة.. فهو في غاية الذكاء وعنده ذاكرة قوية.. بالغ معاصروه في وصفها فقالوا: إنه لو سمع قصيدة من مائة بيت لأول مرة فإنه يحفظها. وقيل إنه حفظ ديوانا من الشعر قرأوه عليه مرة واحدة.. وقالوا: لا يفوقه في الذاكرة القوية إلا أبو العلاء المعري.. ولو ارتدى أبو تمام بدلة لكان نحيفا قصيرا وكان مثل طه حسين. والفرق بينهما أن أبا تمام كثير الضوضاء إذا تحدث، بينما طه حسين كان خفيض الصوت هادئا ناعما.

ولما توفي أبو تمام في هذه السن الصغيرة قيل عنه:

فجع القريــــــــــــــض بخــــــــــــــــــــاتم الشــــــعراء

وغديــــــــــــــــــــــر روضتهــــــــــا حبيب الطـــــــــــــائي

ماتــــــــــــا معا فتجــــــــــــــــــــــــــــاورا في حفرة

وكذاك كانـــــــــــــــــــــــــــا قبل في الأحيــــــــــــــــــــــــــــــــاء

ومن شعر أبي تمام قوله:

اصبــــــــــــــــــــــــــر على حسد الـــــــــحسود

فــــــــــــــــــــــــــإن صبرك قاتلــــــــــــــــــــــــــه

فالنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــار تأكل نفسهــــــــــــــــــــــا

إن لم تجــــــــــــــــــــــــــد ما تأكلــــــــــــــــــــــــــه