هل إسرائيل وحيدة.. مرة أخرى؟

TT

يريد الإسرائيليون أن يسعدوا باندلاع المظاهرات في ميادين القاهرة. إنهم يعتقدون أن هذه لحظة شبيهة بما حدث في العالم العربي عام 1989. فربما يحل محل تقييم ذاتي صادق على حد قولهم رد الفعل المسموم الذي يحمل الدولة اليهودية المسؤولية عن كل مساوئ الشرق الأوسط.

قليل من الإسرائيليين يؤمنون بهذه النتيجة المشرقة، لكن الافتراض المتشائم هو أن تولي جماعة الإخوان المسلمين، وهي حركة المعارضة الحقيقية في مصر، السلطة ليس إلا مسألة وقت. تخشى إسرائيل من أن تسير مصر في الطريق نفسه الذي انتهجته إيران أو تركيا مع تولي الإسلاميين الحكم من خلال العنف أو من خلال دمجهم تدريجيا.

كلتا الحالتين تمثلان نهاية لأهم علاقة بالنسبة إلى إسرائيل في العالم العربي. لطالما أعلن الإخوان المسلمون رفضهم للسلام مع إسرائيل وتعهدت الجماعة بإلغاء معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل التي وقعت عام 1979 في حال وصولها إلى سدة الحكم. بالنظر إلى قوة حزب الله في لبنان وسيطرة حماس على غزة وانقطاع التحالف التركي - الإسرائيلي، يمكن لحكم إسلامي في مصر أن يؤدي إلى كابوس طالما خشيته إسرائيل، وهو العيش في دولة يحيط بها حلفاء إيران أو عملاؤها بالوكالة.

يقول محمد البرادعي، رمز المحتجين المصريين، والكثير من المحللين الغربيين إن الإخوان المسلمين نبذوا العنف واتجهوا إلى تقديم الطعام للمحتاجين وإقامة عيادات خيرية. حتى وإن صح ذلك، فإنه لا يكفي لطمأنة الإسرائيليين الذين يخشون من أن يكون نبذ العنف من جانب الإخوان المسلمين ليس سوى مناورة مرحلية، ويعلمون أن نظرتها للعالم معادية للسامية.

طالما كانت جماعة الإخوان المسلمين وفروعها هي الروافد الرئيسية لنظرية المؤامرة المنتشرة في العالم الإسلامي عن اليهود، بدءا من تحميل الاستخبارات الإسرائيلية مسؤولية هجمات سبتمبر (أيلول) وصولا إلى اتهام صهاينة باختلاق «الهولوكوست» لابتزاز الغرب. وبينما يقول آخرون إن مسؤوليات الحكم سوف تجعل الإخوان المسلمين معتدلين، قيل إن ذلك سذاجة غربية، فهذا هو ما كان يتوقع أن يكون عليه حال النظام الإيراني وحزب الله وحماس.

طالما ذكّر الخوف الإسرائيليين من أن يحيط بهم الإسلاميون بمأزقهم في الشرق الأوسط. تبدو إسرائيل مثل جالوت في علاقتها بالفلسطينيين، لكن فيما يتعلق بعلاقتها بالعالمين العربي والإسلامي، إسرائيل لا تزال داود.

منذ إقامة الدولة، حاولت إسرائيل الفرار من الحصار العسكري والسياسي الذي فرضته عليها دول الجوار. في ظل غياب قبول من العالم العربي، وجدت حلفاء على حدود الشرق الأوسط وإيران وتركيا. وسينتظر السلام مع دول جوار إسرائيل.

بدأ هذا النهج يسير في الاتجاه المعاكس عام 1979 عند انهيار التحالف الإسرائيلي - الإيراني وحلت محله معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في العام نفسه. أدى إبعاد مصر عن الجبهة المعادية لإسرائيل إلى غياب خيار عسكري حقيقي في العالم العربي. صحيح أن حرب 1973 السورية - المصرية، أو يوم كيبور، هي الحرب الأخيرة التي اشتركت فيها دول عربية ضد إسرائيل.. منذ ذلك الحين أصبحت كل الصراعات العسكرية مع إسرائيل، بدءا من حرب لبنان الأولى عام 1982 وصولا إلى حرب غزة عام 2009، مواجهات غير متكافئة ضد إرهابيين. في حين أن إسرائيل واجهت مشكلات استراتيجية ودبلوماسية وأخلاقية بسبب هذه الصراعات، إلا أنها لم تواجه تهديدا لوجودها من العالم العربي.

لذلك بالنسبة إلى إسرائيل، السلام مع مصر لا يمثل ضرورة استراتيجية فقط، بل أيضا ضرورة نفسية. ويفهم الإسرائيليون أن نهاية هذا الصراع مع العالم العربي تعتمد إلى حد كبير على استمرار السلام مع مصر، فهو رغم كل القيود يعد النموذج الناجح الوحيد لاتفاق الأرض مقابل السلام.

وفوق كل ذلك، يستمر التفاؤل الإسرائيلي من خلال الذكرى الخاصة بالشراكة التي كانت غير محتملة بين الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، مناحم بيغن. فقبل أربع سنوات من سفره إلى تل أبيب من أجل السلام، هاجم إسرائيل في يوم عيدها. انسحب بيغن، أكثر رئيس وزراء إسرائيلي تشددا حتى ذلك الوقت، من سيناء التي تعد مساحتها أكبر من إسرائيل بثلاثة أمثال.

رغم إخفاق مصر في تحقيق التطبيع الذي كانت إسرائيل تتوق إليه، شعر آلاف السياح الإسرائيليين الذين كانت الشواطئ الساحلية في سيناء تعج بهم، بالوعد بالسلام الحقيقي. فعلى الأقل شعروا بأنه مرحب بهم في مكان ما في الشرق الأوسط. وقد أثبت خلو سيناء من السلاح أنه يمكن لإسرائيل الحفاظ على عمق استراتيجي، والشعور بالأمان.

حدود سيناء هي الحدود الإسرائيلية الوحيدة التي لا تزال مفتوحة. ويشعر الإسرائيليون حاليا بالقلق من قرب انغلاق هذا المنفذ الهش المنفتح على العالم العربي.

* زميل في معهد شالوم هارتمان، ومحرر مشارك في «نيو ريبابلك»

* خدمة «نيويورك تايمز»