الدرس الكبير

TT

عهد حسني مبارك سيتم تقييمه بالشخصيات التي أحيط بها، والتي كانت «محورية» في التأثير على قراراته ومساعدة صناعة سياساته. واليوم سيتم الحكم في المراحل الأخيرة من عهده على فترة حكمه بشكل سلبي، لأن صور شخصيات مثل حبيب العادلي وأحمد المغربي وأحمد عز وزهير جرانه تسيطر على المشهد، وتطغى على الذهن، وتطغى على شخصيات أمينة ومخلصة مثل أحمد شفيق وعمر سليمان ورشيد محمد رشيد.

الفساد يولد استبدادا، والاستبداد «نتيجته» ظلم وظلمات. الأحزاب التي تقدمها الأنظمة العربية لتكون واجهة شعبية «لبيع» الديمقراطية كسلعة سياسية على الناس تحولت إلى إدارة قمعية بامتياز، مولدة سخطا وغضبا لا حدود لهما. وليس أكثر دلالة على ذلك من ردود الفعل الشعبية على الاتحاد الاشتراكي أيام مصر «الناصرية»، وعلى «البعث» في العراق، وعلى «التجمع» في تونس، وعلى الأحزاب الحاكمة في اليمن والسودان، وطبعا الحزب الوطني في مصر.

الحرب تتحول إلى وسيلة لتكريس الحكم وليس المشاركة فيه.. عمل على «القضاء» على المعارضة وتقزيمها بدلا من فتح المجال لها بالمشاركة الجادة فتحسب التجربة للصالح العام. ضاع الحزب الوطني في مصر بين صراع الحرس القديم والحرس الجديد، فتولدت المصلحة، وتكرست البلطجة السياسية، وتم زواج المصلحة السياسية والطموح المالي.

الفساد هو العدو الأول للشعوب، والمفسد والفاسد ليس هو وحده الخطر الأكبر، لكن «تمكين» المفسد والفاسد لا يقل خطورة، بمعنى أن يكون وزير «يمرر» مشاريع ومناقصات لطرف ما، أو «يساعد» على إقراض شخصيات دون أخرى، فهو «يمكن» المفسد من الاستبداد، وهذا عادة ما يتم السكوت عنه على الرغم من خطورته.

الهجمة الهمجية الأخيرة على متظاهري ميدان التحرير بمصر ممن يطلق عليهم أنصار الرئيس مبارك وهم يمتطون الخيول والجمال والبغال والحمير ويشهرون المطاوي والسيوف في مشهد من فيلم «فيفا زلاطة» لفؤاد المهندس، تصور الحال الواقعي الآن، فبينما الإصلاح السياسي يتم الإعلان عنه وبشكل واضح وجلي على لساني عمر سليمان نائب الرئيس وأحمد شفيق رئيس الوزراء، كان هناك جيش وميليشيات البلطجية المدعومة والمأمورة من قادة الحزب الوطني وبعض رجال الأعمال المستفيدين، كما تردد في الإعلام، وهو ما يشير إلى الانقسام الواضح بين الساسة والبلطجية، بين الشرفاء الوطنيين والأفاقين. بالتدريج تتقلص أدوار الشخصيات الأمينة المشرفة والوطنية المخلصة في عهد مبارك.. شخصيات مثل أحمد رشدي، وكمال الجنزوري، وأسامة الباز، ومصطفى الفقي، وعمرو موسى، ونبيل فهمي، وغيرهم، لصالح شخصيات أخرى مكروهة من الناس، حتى باتت آخر السنين تعلو فيها الصيحات من العامة اعتراضا عليها بشكل لا يقبل الجدل.

الفساد لا يزال المقبرة الأخطر لأحلام الشعوب ونوايا الرجال الحسنة، وما حدث لمصر سيتم تقييمه بعمق ودقة حتى تكون العبرة والاستفادة، والرهان يبقى على مصر أن تفيق من هذه الأزمة كدولة أقوى وأنضج كما حصل لها من قبل.

[email protected]