أجراس الإنذار

TT

الأحداث الجارية المؤلمة التي يمر بها الشارع العربي من احتجاجات ومظاهرات حادة تهدد أمن واستقرار الأنظمة والشعوب، والتي قد يستغلها بعض المغرضين والمحرضين لإثارة الفوضى والاضطرابات وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة وأعمال السلب والنهب.. هذه المظاهرات قد سبقتها أجراس إنذار تقرع لسنوات طويلة، ولكن لم تجد من يستمع ويستجيب لها بالمنطق والعدل.

المظاهرات والاحتجاجات والتجمعات السلمية صورة مهمة من صور التعبير وحرية الرأي التي تعد من الحقوق الأساسية والمشروعة للمواطنين، ولكن عندما تكون هذه المظاهرات غير مسبوقة من الإصرار والجرأة والتحدي، وتهدد استقرار النظام والبلاد ويصاحبها سقوط ضحايا وقتلى، فإنها تستدعي التوقف عندها طويلا، وتثير تساؤلا مهما: أليس هناك أجراس إنذار مبكرة وإرهاصات سابقة منبئة ومنذرة بأن هناك أخطارا قادمة لا محالة تهدد وبشدة هذه الأنظمة والحكومات؟

يمكن اعتبار الأزمات والمشكلات التي تعاني منها الشعوب أجراس إنذار حقيقية منبئة بالخطر، وعندما تجتمع هذه الأزمات مع ألوان الحرمان والكبت والإحباطات المتتالية التي يعاني منها المواطنون، ستكون النتيجة انتظار إشارة البدء لتوليد شرارة الانفجار وبدء المظاهرات، لتقول إن الشعب تحمل بما فيه الكفاية وأصبح من الصعب إقناعه بالتزام الهدوء والنظام.

عندما تعاني الشعوب من أزمات ومشكلات حادة من ارتفاع في معدلات البطالة وغلاء وزيادة في الأسعار وتردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتعليمية، وعندما يفقد المواطن الأمل بأن هناك إصلاحات قادمة وتكون هناك لا مبالاة لمعاناته وآلامه، وعندما ينفد صبر الشعوب وتتحول آمال المواطنين وطموحاتهم إلى آلام مزمنة لا تنفع معها الوعود والتطمينات، وعندما لا يستطيع المواطن أن يطالب بحقوقه خوفا من إلحاق الأذى به، وعندما لا تستمع الأنظمة جيدا لصوت العقل والمنطق والضمير، وعندما.. وعندما.. عند كل هذا وغيره سوف تكون هناك أخطار محدقة قادمة لا محالة.

ولكن.. عندما تكون الأنظمة والحكومات على قدر أكبر من الاستعداد للمواجهة والصمود أمام أي كوارث وأزمات متوقعة تهدد استقرارها وأمن شعوبها بتحسين سياساتها وأنظمتها، ويكون لديها قرون استشعار دقيقة وحادة للاستماع والاستجابة مبكرا لأجراس الإنذار والتنبؤ مبكرا بمواضع الخطر ومعالجتها والاستماع والاستجابة لهموم وآمال ومطالب الأجيال الناشئة، وعندما يكون المواطن آمنا على حياته ومعاشه، ولديه القدرة على المطالبة بحقوقه من دون أن يلحقه أي أذى، وعندما تستمع وتستجيب الحكومات مبكرا لمطالب الجماهير ومن دون اللجوء لاستخدام العنف والحلول الأمنية بل بالحوار والمشاركة والإقناع، وعندما تدرك الأنظمة أن الشباب والأجيال الناشئة قد استفادت من الآفاق الواعدة لثورة المعلومات والاتصالات في التعبير عن آمالهم ومطالبهم والمطالبة بالتغيير، وأنه لا بديل من أن تستغلها الأنظمة أيضا في الوصول للشباب ومشاركتهم الرأي والحوار والاستماع إليهم جيدا.. عند كل هذا وغيره، سوف يمكن مبكرا تجنب الاحتجاجات والمظاهرات، وبالتالي تنعم الأنظمة والشعوب بالأمن والأمان والاستقرار.

اللهم احفظ شعوبنا من كل مكروه وسوء، ووفق ولاة أمورنا لما فيه خير وصلاح البلاد والعباد.