«الأولاد» المؤسسون

TT

بعد إعلان كل من العاهل الأردني والرئيس اليمني عن خطوات إصلاحية في بلديهما، بادر الرئيس الأميركي بتهنئة الزعيمين، فلماذا فعل أوباما ذلك؟ وهل كان له دور فيما حدث؟

بالطبع لا، فليس لواشنطن دور، صحيح أن لدى الأميركيين مصلحة في استقرار دول منطقتنا، ومنها مصر، وذلك لدواعي السلم والحرب، لكن الواضح أيضا أن الإدارة الأميركية تريد تجيير ما حدث من تونس إلى مصر، وما حدث من إصلاحات بالأردن واليمن، إلى قائمة إنجازاتها لترويج ذلك بالداخل الأميركي، وإظهار أن إدارة أوباما استطاعت نشر الديمقراطية في منطقتنا أكثر من إدارة بوش الابن. وهذا غير صحيح، فما تم في تونس، مثلا، ليس للأميركيين يد فيه، بل لم يتوقعوه، خصوصا أن وزيرة الخارجية الأميركية كانت تقول أثناء أحداث تونس، وقبل فرار بن علي، إنها تنتظر انتهاء الأزمة لتتحدث مع الرئيس!

ما لا يريد الأميركيون إدراكه، أو تصديقه، هو أن من أحدثوا الحركة التصحيحية بمصر هم أبناء الكنانة أنفسهم، فبدلا من أن يأتي رجال الآباء المؤسسين، وهو تعبير يستخدم في أميركا لجيل المؤسسين للدولة الأميركية من جورج واشنطن وتوماس جيفرسون وغيرهما، فبدلا من أن يأتوا هم لقيادة الحركة الإصلاحية في مصر فإن من قام بتلك الحركة هم «الأولاد» المؤسسون، أي شباب مصر، والذين إن سألت المصريين الساسة عنهم حتى مساء 24 يناير (كانون الثاني) لأجابوا بنبرة تهكمية: «آه.. دا العيال كبرت» وهو اسم المسرحية المصرية الفكاهية الشهيرة.

صحيح أن العيال كبرت، وأصبحوا «الأولاد» المؤسسين، أما تجربة أميركا، وآبائها المؤسسين، في منطقتنا، فما زالت تراوح مكانها، سواء في العراق، أو أفغانستان، حيث ما زالت تتورط واشنطن إلى اليوم في أفغانستان، وتحاول إجراء عمليات تجميلية من وقت لآخر في العراق، بينما، وفي حال تصرف العقلاء المصريين بحكمة، فإننا سنشهد تحولا مهما في مستقبل مصر، والمنطقة، على يد «الأولاد» المؤسسين.

ولذا فإن أفضل شيء من الممكن أن يفعله الأميركيون لنا هو أن يتركوا دول المنطقة تختار طريقها، وما يناسبها من أنظمة حكم وطنية وواعية، وشرعية، والقصة ليست احتجاجا على الديمقراطية، بالعكس، بل المطلوب أن لا تفرض ديمقراطية مفصلة على كل دول المنطقة، المهم أن يكون هناك اتفاق على أطر عامة، مثل ما هو موجود في كل العالم المتحضر، لكن يترك للدول والشعوب تحديد ما يناسبهم، وفق منظومة متفق عليها من احترام لحقوق الإنسان، وإعلاء مكانته، وتداول سلمي للسلطة، ومحاربة للفساد، ومزيد من الحريات، وفق مكونات كل بلد، وأبسط مثال هنا دول أوروبا؛ فليست كلها متشابهة، وإن كانت ديمقراطية، فحتى أكبر دول أوروبا لا تشابه ديمقراطيتها ما هو في أميركا، بيد أن الأطر واحدة.

أفضل ما يمكن أن يفعله الأميركيون لمنطقتنا هو الإسهام في إيجاد حل عملي للصراع العربي - الإسرائيلي الذي يعرض منطقتنا للخطر، ومن شأن ذلك أن يصد أيضا التمدد الإيراني بمنطقتنا.. هذا ما يمكن أن تفعله واشنطن، أما ما حدث في مصر فقد فعله «الأولاد» المؤسسون، لا الأميركيون.

[email protected]