هذا الدرس من مصر!

TT

لقد فازت الدول الغربية في الحرب الباردة بتمكنها من فرض احترام حقوق الإنسان على الدول الشيوعية. بيد أن هذا الفوز قد فرض عليها الآن مواصلة هذا الاحترام في العهد الجديد وفرضه على كل الدول. من أركان ذلك عدم جواز قمع المعارضة بإطلاق النار على متظاهرين مسالمين، كما كان الحال في أيام الحرب الباردة. من يقوم بذلك الآن يكون قد ارتكب جريمة ضد حقوق الإنسان تعرضه لمقاضاته محليا ودوليا واعتقاله أينما وجدوه. جعل هذا المسؤولين وقادة الجيش وحتى الضباط يترددون في استعمال القوة ضد مواطن أعزل ما دام لم يلجأ للعنف. هذا هو المأزق الذي واجهه المسؤولون في تونس ومصر. ترعرع كبار المسؤولين عندنا في أيام الحرب الباردة ولم يتشربوا بعد نسمات العهد الجديد وما يتطلبه من سياسات.

قيل، والعهد على القائل، إن هناك من عناصر المخابرات من حاول حماية النظام بالالتفاف على هذا المبدأ بتغيير ملابس الشرطة إلى ملابس مدنية وتجنيد مرتزقة وبعض الأنصار في مهاجمة المعارضين، وربما خلق جو دموي يجبر الجيش على التدخل لفرض منع التجول. فات عليهم هنا أيضا تفهم الظروف الإعلامية الجديدة في الكشف عن الحقائق ونقلها سريعا وعالميا. ما إن سمعت الحكومات الغربية بهذه الشائعة حتى انبرت للتنديد بها بشدة ومطالبة الحكومة بالتحقيق ومعاقبة المسؤولين. وصف المستر كاميرون، رئيس الحكومة البريطانية، هذا العمل بأنه عمل خسيس despicable. الواقع أن حتى رئيس الحكومة أحمد شفيق اعتذر رسميا عما حصل وتعهد بالتحقيق ومعاقبة المسؤولين. وتدخل الجيش لمنع تكرار ذلك.

هذا هو الوضع الجديد الذي تواجهه الآن حكومات العالم الثالث. لم تعد تستطيع استعمال الجيش في قمع المعارضين السلميين. ما هي الدروس من كل ما جرى؟ أولا، على الجمهور أن يفهم ضرورة التمسك بالسلام والنظام ويتحاشى العنف والفوضى والإرهاب والمؤامرات لئلا يعطي الفرصة لاستعمال القوة. ثانيا، على السلطة أن تفهم أنه لم يعد بيدها الآن غير سلاح واحد للاحتفاظ بسلطتها: العمل للعاطلين، والخبز للجائعين. لا بد من اقتسام الكعكة بعدالة. لا بد من الضرب على أيدي الحرامية الذين يسرقون لقمة الخبز من فم الفقير باختلاساتهم من أموال الدولة وفرض الرشوة على الناس. لا بد من التحقيق فيما كسبوه ظلما وحراما وهربوه للخارج، ومطالبة المؤسسات الدولية بإعادة ما تسلمته منهم. ثالثا، ما دام تبين أن السلطة لا تستطيع اليوم استعمال الجيش في قمع الجياع، والمجموعة الدولية لا تسمح بمهاجمة دولة أخرى والاعتداء على حدودها المعترف بها دوليا (كما اكتشف صدام حسين)، فلم تعد هناك كل هذه الحاجة إلى إنفاق ثلث إلى نصف الميزانية على القوات المسلحة. وبما سيتوافر من ذلك من مال يصرف على خدمة الجمهور بتوفير العمل والتعليم والضمان الصحي والاجتماعي للجميع.

رابعا، وأخيرا، علينا أن نفهم أن كل شيء يتوقف على حجم الكعكة. لا بد من تنمية الاقتصاد الوطني. ولا بد للتنمية من الاستقرار. ولا بد للاستقرار من تناغم بين المسؤول والمحكوم يقوم على اقتسام عادل للكعكة.