لا سر.. حتى هذه الصفحة

TT

وقعت على كتاب ممتع للدكتور فواز أحمد طوقان (دار الطليعة) عنوانه ما يلي «أسرار تأسيس الرابطة القلمية وعلاقة أعضائها بالفكر الاشتراكي.. هل كان أدباء المهجر مؤيدين للحركة الشيوعية في أميركا الشمالية؟».. انتهى العنوان. وقد أثارني الموضوع. فقد قرأت عن الرابطة وأهلها منذ سنوات طويلة. وبدأت في قراءة أشهر أعلامها، جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، وأنا في الثالثة عشرة، أو حتى دونها. وذهبت إلى مكتبات باريس ونيويورك أبحث عن إضافات إلى ما عرف عن جبران. وحتى العام الماضي كنت لا أزال أسعى في مراجع نيويورك الأكاديمية إلى مداخل غير معروفة عن «الرابطة» وأعضائها. وفي كل هذه السنين لم أقرأ في مكان أنه كانت لأعضائها علاقة بالفكر الاشتراكي، أو بالأحرى بأي تيار أدبي أو فكري. فلا هم ادعوا ذلك، كتابة أو محادثة، ولا الذين عرفوهم بدت لهم ملامح فكرية لم يلحظها قراؤهم.

وثمة متعة معرفية في قراءة كتاب الدكتور طوقان. فهو يعيدك إلى الفيلسوف فريدريك نيتشه وصحته العليلة، وإلى الروائي الروسي ماكسيم غوركي، مع المرور بحدائق معلمه دوستويفسكي. ويتوقف عند أطروحة خليل حاوي عن جبران، ليذكرنا بأنه قسا عليه. وسواء شئنا أم أبينا، ينقلك إلى مؤتمر فرساي للسلام في باريس. فهو هنا يحدثك عن أمين الريحاني، وما دام الحديث عنه فلا بد من الحديث عن مؤلفاته عن الملك عبد العزيز آل سعود، وكيف بهر الريحاني، بعكس علاقته بالشريف حسين، وما دام الحديث عن الملك عبد العزيز فلا بد من الإشارة إلى اتفاقية الحكير.

وعودة إلى الأدب الروسي، فكيف يمكننا أن نتجاوز «تورغنيف» و«غوغول». ولا بأس ببعض المقتطفات عنهما. والأدب الروسي لا يغنينا عن الأدب الأميركي، فإليك شيء من مارك توين، وإليك أشياء عن أدباء النهضة في مصر، وعن الكواكبي، وعن الشيخ محمد عبده، وعن أديب إسحق. وإسحق هو صاحب القول الشهير:

«قتل امرئ في غابة/ جريمة لا تغتفر

وقتل شعب آمن/ مسألة فيها نظر»..

أو هكذا يقولون.. أي يقولون إن أديب إسحق هو صاحب هذا القول. وهل كنت تعلم أن مارك توين هو مؤلف «شعب الهاوية» بسبب ميوله الاشتراكية ومشاعره حيال فقراء لندن؟ يا لها من رحلة ممتعة. وقد أصبحت هذا المساء في الصفحة 157 من «أسرار تأسيس الرابطة القلمية وعلاقة أعضائها بالفكر الاشتراكي»، ولم أصل حتى الآن إلى أي سر أو أي علاقة. لكنني أمني النفس بذلك، فلا يزال من الكتاب 243 صفحة، ولا بد من سر ما وعلاقة ما في نهاية المطاف، كما لا بد من صفاء بعد طول سفر.