سلامتها «أم حسن»

TT

قبل نحو عامين من الآن، دخلت عبر هذه الزاوية في مداعبة مع بعض إخواننا السودانيين على الضفة الأخرى من البحر، حول من هي عروس البحر الأحمر، فالسودانيون يصرون على أن مدينتهم الساحلية بور سودان هي عروس البحر الأحمر، وهم يتغنون:

«عروس البحر يا حورية

يا بور سودان يا جنية

من قلب تائه في حبك

بهدي سلامي وألف تحية»

وصعب فض الاشتباك بيننا في حينه، وراح كل منا يجلب البحر عريسا لمدينته، ودخل على الخط إريتريون متعصبون لمدينتهم «مصوع»، ويمنيون يرونها «الحديدة»، وليس غيرها، وأمام حدة النزاع حول مصاهرة هذا البحر زائغ العينين توصلنا إلى قناعة بأنه مهما تعددت زواجات هذا البحر وتنوعت، تظل مدينة جدة الزوجة الأولى «أم العيال»، وظننت أن الأمر انتهى عند هذا الحد حتى تلقيت قبل أسبوع عبر البريد الإلكتروني رسالة من الضفة الأخرى من البحر، يقول مرسلها: «بعد أن غرقت أم العيال، وشاخت، قرر البحر الأحمر، وهو بكامل قواه العقلية المعتبرة أن يبعث إليكم بورقة طلاقه من جدة هربا بروحه من السيل، ولم يبق بعد هذا الطلاق في الحجر - حجر البحر طبعا - سوى بور سودان». ذكرتني هذه الرسالة بالذي مضى، وقررت الانتظار حتى يتم نشر جدة على سواري الشمس لتجف قبل أن أرد، وكانت الصور التي تأتي على بريدي الإلكتروني، وما تنشره الصحف تصور مدينة غارقة حقا تحت الماء، واضطررت أن امتص الضربة الأولى، وقد تأكد لي أن حال جدة أصبح كحال «أم حسن» التي غنى لها عدوية:

«سلامتها أم حسن

م العين وم الحسد

وسلامتك يا حسن».

فلقد أصابت جدة عين الحسود التي أصابت «أم حسن»، فحولتها من سيدة البحار إلى عجوز شمطاء احدودب منها الظهر حتى بدت كعلامة استفهام، أو كدمية عبثت بها أنامل طفل عدواني النزعة.

وبقي السؤال المنسكب في النفس: ألم تزل تعشقها على الرغم من بلوغها أرذل العمر؟!

فتردد الروح:

«عشقتها شمطاء شاب وليدها

وللناس في ما يعشقون مذاهب»!