مصر في عيون أوباما

TT

بينما يشاهد الرئيس أوباما الأحداث التي شهدتها مصر ومحيطها العربي، يقال إنه تذكر تجارب طفولته في إندونيسيا، عندما كان يحكمها رجل مستبد فاسد تم إسقاطه في ما بعد على يد حركة إصلاحية. إن أوباما ينظر إلى الأحداث الدرامية المصرية نظرة غير عادية، فقد كانت له تجربة شخصية مباشرة مع الديكتاتورية التي تمثل عالما «يأخذ القوي فيه الأرض من الضعيف» بحسب ما نقله عن زوج أمه في مذكراته. إن الرئيس قادم من عصر فرانتز فانون وأصحاب نظريات عن التغيير الشامل. أحيانا يوصف أوباما بأنه شخصية «ما بعد العنصرية»، لكن من الجيد أن ننظر له كرجل «ما بعد الاستعمار».

كانت القرارات السياسية لأوباما خلال الأسابيع الماضية تستند إلى إحساس بأن شروخا تحدث في المجتمع المصري والمجتمعات العربية الأخرى منذ مدة طويلة، حيث يقول أحد المدركين لطريقة تفكيره «هذا أمر لا يمكن إعادته إلى صندوق». وفي الوقت الذي يعتقد فيه أوباما أنه من الضروري حماية المصالح الأميركية وسط هذه الاضطرابات، فإنه يعتقد أن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تقدم ردا محدودا مثل الصين، لأنها دولة ديمقراطية. يقال إن أوباما عقد عدة اجتماعات خلال الأسبوع الماضي في غرفة المواقف في ظل إنذار بالتفكير بشكل موسع في عملية التغيير التي تحدث الآن وجعل السياسة الأميركية متوافقة مع هذه التغييرات الكبيرة.

إن التجارب التي شكلت شخصية أوباما تخبره بأن التغيير في الدول النامية لا مفر منه، وأن الإصلاح كثيرا ما يفلح. ويعتقد أوباما أن كل حركة شعبية ليست بالضرورة أن تكون كارثية، مثل الثورة الإيرانية التي قامت عام 1979، فهناك نماذج إيجابية مثل حركة «قوة الشعب» التي أسقطت نظام الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس عام 1986، وسقوط حائط برلين عام 1989، والإطاحة بالرئيس الديكتاتوري سوهارتو في إندونيسيا عام 1998، الذي يتذكره أوباما منذ أيام الطفولة.

ليس ما يشكل طريقة تفكير أوباما فكريا بقدر ما هو شخصي، فعندما يتحدث إلى نشطاء حقوق الإنسان في الخارج، كثيرا ما يتذكر شكل الحياة في دولة ديكتاتورية يسودها الخوف والتوتر رغم الأوقات التي تبدو هادئة. لقد أقر لولو، زوج أمه الإندونيسي، بأنه رأى شخصا يقتل «لأنه ضعيف». الدرس الذي تعلمه أوباما من الثورة الديمقراطية في إندونيسيا هو أنه عندما ترتخي قبضة الحكم الاستبدادي، لا يمكنها أن تشتد مرة أخرى. بمرور الوقت يمكن للتنفيس الذي يحدث أن يؤدي إلى حكم أفضل ونمو اقتصادي.

لم يعلن أوباما عن هذه النقاط مؤخرا نتيجة تسارع الأحداث، وكذلك بسبب طبيعته المتحفظة. إنه ليس رجلا يحب الحكم على أساس الحكايات والأمثلة. ويقول بعض منتقدي أوباما إنه تباطأ في تبني الحركة الاحتجاجية المصرية. لكن يبدو أنه يعتقد أن التغيير أمر يحدده المصريون، وليس الأميركيين، وأن تشديد قبضة أميركا سيؤدي إلى نتائج عكسية.

من المفيد إعادة قراءة خطاب أوباما في جامعة القاهرة في 4 يونيو (حزيران) 2009 لمعرفة الأفكار الاستراتيجية التي ترشد أوباما حاليا. لقد انهار أساس ذلك الخطاب الذي تم الاحتفاء به وهو علاقة أميركا بالعالم الإسلامي. فقال أوباما حينها: «لقد جئت إلى القاهرة سعيا وراء بداية جديدة قائمة على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل». لا يزال هذا هو الخط الرئيسي، لكن من العدل القول إن خطاب القاهرة أثار توقعات في العالم العربي دون تحقيق أي منها. قد يكون هذا بالفعل أحد العوامل المؤدية إلى «الثورة ذات سقف التوقعات العالي» التي نراها في شوارع تونس والقاهرة وصنعاء وعمان.

تاريخ أوباما الشخصي يمنحه فرصة فريدة للاتصال بجيل الشباب الذي قام بهذه الثورة الكبيرة، لكنه يجعله معرضا أيضا لاتهام بأنه يضع الأمن الأميركي في مرتبة تلي آماله لعملية تغيير سريعة الزوال قد يتبين في ما بعد أن لها آثارا كارثية على المصالح الأميركية. المشاهد التي رأيناها خلال الأسبوع الحالي من محتجين شباب يقفون على الحواجز في ميدان التحرير تذكرنا بـ«البؤساء» أو «دكتور زيفاغو». لكننا نعلم أن هذه الروايات انتهت لصالح الأخيار.

إن التحدي الذي يواجهه أوباما هو الاستفادة من تجاربه الحياتية وقدرته غير الاعتيادية كشخص قادر على التواصل والحديث في تبني عملية التغيير، يمكنه أن يقف بجانب الثوار الشباب المثاليين في الشوارع، إلا أنه لا يزال بحاجة إلى طمأنة العالم بأن القوة الأميركية ثابتة في وقت يشهد عملية غضب عارم، للمطالبة بتغيير شامل.

* خدمة «واشنطن بوست»