.. والعبرة مستمرة

TT

تداخل كبير على المشهد السياسي المصري.. حركة شبابية رقمية نقية، لها مطالب إصلاحية صحيحة وصادقة، هكذا كانت الصورة الأولية، وفجأة حصلت التداخلات العجيبة على الخط الأصلي للمطالب المشروعة، فها هي الأحزاب «المتهالكة» تحاول أن تظهر وتجد لنفسها موقع قدم بأي طريقة، والإخوان المسلمون، حلق بعض أعضائها اللحى وارتدوا الجينز وغنوا الأغاني الوطنية بدلا من الشعارات الدينية في «تقية» سياسية فجة واستمروا في رفع سقف المطالب بشكل انتقامي وشخصي.

محمد البرادعي يبحث عن دور، أي دور في هذا السيرك والفوضى. ولكن المشهد البارز هو الحضور الإخواني اللافت، خصوصا الفريق المتطرف منهم والذين ظهر بعضهم وهو يرتدي الثوب «المقطع من الأكتاف» الأبيض، في إشارة للكفن، وهم بذلك يستجيبون لبعض النداءات الموتورة التي كانت تصف الشباب الموجود في الساحات بأنهم «مشاريع شهادة»! الكل في الوقت نفسه كان يحاول أن يحصل على ختم النسر «المصري». وختم النسر هو إشارة للشعار الرسمي للدولة المصرية، وبمعنى آخر؛ كان يحاول أن يكون الممثل الشرعي للمعارضة ومن له الحق في صناعة القرار السياسي المستقبلي لمصر.

وهناك فرق أخرى كانت تحاول الحصول على ختم النسر الأميركي.. أن تنال الرضا والقبول على صعيد المجتمع الدولي. وإذا كان هذا غير كاف، دخلت إيران على الخط هي الأخرى، وقدم رأس السلطة السياسية فيها علي خامنئي خطبة جمعة كان جزء منها باللغة العربية، موجها إلى مصر وجيشها فيها نصائح وعظات، ومبشرا بشرق أوسط إسلامي جديد، ولكن ما فاته وما لم يعرفه خامنئي أن الشرق الأوسط لا ينظر أبدا إلى الأنظمة التي تمتطي الدين كوسيلة سياسية، وتحديدا مثل إيران، على أنه النموذج الأمثل، وبالتالي يأخذونه كمثل أعلى، ولكنهم ينظرون إلى تركيا وماليزيا مثلا وكيف تعاملتا مع الدين كقيمة ومعنى راق من دون أن تغفلا التنمية والتسامح في الوقت نفسه.

منذ انطلاق أحداث تونس وتليها أحداث مصر والتوابع في اليمن والسودان والجزائر والأردن والخاسر الأكبر في هذا الحراك الشعبي والمطالب الكبيرة ليست الحكومات كما قد يبدو، وذلك بديهي. ولكن الخاسر الأكبر هي الحركات المتطرفة مثل «القاعدة» و«السلفية الجهادية»، وهي جميعا حركات متشابهة مثل غيرها، اختفت في شكلها الظاهر وصمتت لأنها تعلم أن الحرية والمشاركة الشعبية تقضيان عليها، وأن الاستبداد هو الذي يولدها ويغذيها. فبالتالي، كلام علي خامنئي لا يمكن أن يؤخذ على محمل الجد، خصوصا أنه آت من دولة زوّرت انتخاباتها وأهانت المعارضة فيها وأذلت شبابها في السجون والشوارع.

إيران بيتها لم يعد من زجاج، ولكن من سيلوفان. ومع ذلك، تواصل رمي الغير بالحجارة، عجيب! أميركا تبدو مندهشة من حجم الشارع العربي ورد فعله. فبعد أن كانت الأبواق المساندة لعصابة «المحافظين الجدد» تحاول «نعي» الشارع العربي بعد دفنه، عادت اليوم بنغمة جديدة تقول إن الشارع العربي سينهض وينتفض ليطالب بحقوقه. ولكن ما تغفل عن ذكره والتمعن فيه دوائر صناعة القرار في واشنطن والمراكز البحثية المساندة لها، أن الشارع العربي ممتد إلى تل أبيب، وأن المليون عربي الموجودين «داخل» إسرائيل وليس في الضفة الغربية ولا غزة، هم أيضا سينتفضون للمطالبة بحقوقهم المهضومة والمسلوبة ظلما من دولة قاهرة محتلة أشبه بالنازية، وهذا سيكون مفاجأة الزلزال العربي المتواصل.

الصورة المصرية تتواصل، ويبدو أن الحكم في مصر سقط لصالح إبقاء النظام، رموز الحكم سقطت، كالحكومة والحزب والشرطة وصلاحيات الرئيس، أما النظام فسيعدل بشكل عقلاني استجابة لطلبات الشباب وليس لغيرهم، ولا بد من قراءة ذلك جيدا للتفريق بين الصحيح وما يشبه الصحيح.

[email protected]