إسرائيل تعيد تعريف الديمقراطية في المشرق العربي

TT

«الناس متساوون... لكن بعضهم أكثر تساويا من غيرهم»

(جورج أورويل)

حشر 200 مليون عربي حشرا بين خياري العيش في ظل العجز والفساد أو تحت بيارق الأصولية الدينية الجامحة... ليس وضعا مثاليا بأي مقياس من المقاييس. غير أن هذا ما نشهده في عالمنا العربي بسبب التعريف الرسمي الإسرائيلي للديمقراطية من ناحية وازدواجية المعايير عند مؤسسة السلطة في الولايات المتحدة من ناحية أخرى.

مواطنو العالم العربي يستحقون، مثلهم مثل باقي شعوب الأرض، الحد الأدنى من الكرامة وحق تقرير المصير. وما شهدته تونس قبل بضعة أسابيع وما تشهده مصر حاليا، يشير بوضوح إلى أن ثمة شيئا تبدل في نظرة الإنسان العربي إلى نفسه، وشعر أنه بخلاف ما كان يتصوره في ذاته من عجز واستكانة... يستطيع أن يرفع الصوت، ومن ثم، أن يوصل رسالته إلى من يعنيهم الأمر.

اكتشاف هذا المخزون من الثقة بالنفس هو المفصل المهم والحاسم.

وجود عناصر إقليمية ودولية مسهلة Catalyst لهذا الاكتشاف حقيقة لا يجوز إنكارها، ولكن كل تغير من هذا النوع، في أي مكان من العالم، يحتاج إلى عناصر مسهلة. وثمة فارق كبير بين توافر هذه العناصر و«الأيدي الأجنبية» المحرضة والدافعة... حتى لو شاء بعضنا ألا يعترف بذلك.

عودة إلى التجربتين التونسية والمصرية، لا بد من القول إن هناك فوارق بنيوية بين حالتي البلدين ونظامي الرئيس زين العابدين بن علي وحسني مبارك، منها حجم كل من البلدين، وقوة تنظيماتهما النقابية والحزبية، ومستوى الدخل وتوزيعه... إلى آخره. إلا أن أحد أهم الفوارق يبقى «معاهدة كامب ديفيد» التي تربط مصر بإسرائيل، والتي أخرجتها عمليا من حلبة الصراع العربي الإسرائيلي.

اليوم جزء أساسي من «السيناريوهات» المطروحة حول مستقبل الحياة السياسية في مصر هو مدى تقبل إسرائيل أي حكم بديل. والمواقف المعلنة الصادرة عن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وضغوط تل أبيب داخل دهاليز «اللوبيات» في واشنطن، واضحة في هذا الشأن وضوح الشمس.

فمسألة الديمقراطية في مصر - وغير مصر على امتداد العالم العربي - غير مطروحة إسرائيليا على الإطلاق، بل هي مرفوضة أصلا، إذا كانت هذه الديمقراطية ستسلم السلطة إلى قوى ترفضها إسرائيل، إسلامية كانت أو عروبية، يسارية أو ليبرالية.

وخلال الأسبوع الماضي برز هذا الموقف في غير مناسبة. وهنا أذكر كأمثلة مقالة للمحلل الإسرائيلي آلوف بن في صحيفة «ها آرتس»، وما قالته الكاتبة السياسية الصهيونية البريطانية ميلاني فيليبس والبروفسورة نورينا هيرتز، حفيدة الحاخام الأكبر في بريطانيا، في برنامج «كويستشن تايم» الحواري السياسي المحترم على تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية.

في مقالة بعنوان «التاريخ سيسجل أن أوباما هو الرئيس الذي خسر مصر»، يقول آلوف بن بالحرف - بتاريخ 30/1/2011 - «يظن أوباما، على ما يبدو، أن المشكلة الأساسية في الشرق الأوسط هي الاحتلال الإسرائيلي، ولذا ركز سياسته على وقف بناء المستوطنات والمحاولة المجهضة لتجديد مفاوضات السلام»... ثم يقول «ليس هناك ضمانة بأن الجماهير المصرية والتونسية كانت سترضى بالتعايش مع نظامين قمعيين حتى لو أوقف البناء في مستوطنة آرييل أو أطلق سراح بعض قيادات المعارضة»

في اتجاه مماثل شددت كل من فيليبس وهيرتز على أنه لا فائدة ترجى للغرب والعالم من أي تغيير ديمقراطي في مصر إذا كان سيجلب إلى الحكم جماعات إسلامية أصولية أو متشددة. وهذا الموقف عبر عنه تماما الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس بقوله «انظروا إلى ما حدث في غزة حيث أسفرت انتخابات 2006 عن حكومة فلسطينية تحت حكم إسلاميين من حماس... فإذا وجدنا أنفسنا بعد الانتخابات (المصرية المقبلة) مع ديكتاتورية دينية متطرفة فما نفع الانتخابات الديمقراطية؟».

هذا المنطق الغريب يمكن الرد عليه، بثلاثة أسئلة صريحة:

الأول: هل مبدأ الديمقراطية وحقوق الإنسان مبدأ استنسابي يتغير بتغير هويات الشعوب المعنية؟

الثاني: أليس ثمة علاقة مباشرة بين القمع والتطرف... وفق أبسط مبادئ علم الفيزياء، حيث كلما ازداد الضغط ازداد احتمال الانفجار وقوة هذا الانفجار؟

الثالث: بغض النظر عن كلام البعض عن «الممانعة» و«العداء الشديد لإسرائيل»، ألا يعني هذا المنطق الإسرائيلي أن تل أبيب لا ترضى على حدودها إلا بأنظمة ترتاح لوجودها وتحرص على بقائها؟