غياب دافوس

TT

أوائل السبعينات طلب حاكم لبنان المركزي إلياس سركيس من زميل لنا أن يمر به لأمر خاص. وعندما ذهب إليه في اليوم التالي، وجد الحاكم يقول له بتواضع معهود، إن مشكلاته تحول دون معرفته ببعض الشؤون الدولية، ويريد من الزميل أن يمر به من وقت لآخر لكي يشرح له بعض القضايا. ثم أخذ سركيس قلم رصاص واستعد لأن يسجل الأجوبة.

وقال له الزميل بمحبة وإعجاب: «غدا عندما تصبح رئيسا للجمهورية، سوف تدخل التاريخ من أبواب كثيرة، لكن أكثرها فرادة هو أنك أول سياسي في لبنان يقول إن ثمة أمورا لا يعرف عنها». وشرط المعرفة العظيمة التواضع العظيم. إلا أن الزميل قال للرجل الآدمي: «ماذا ستفيدك الشؤون الدولية عندما تصبح في القصر الجمهوري؟ الأفضل أن تنزل من الطابق العاشر الذي نحن فيه، وتقارب شؤون الناس وتصغي إلى نبضهم وتتعرف إلى قضاياهم. الناس ليست ما تقرأ في الجرائد ولا من ترى في مجالسك ولا طبقة الأصدقاء الذين تعيش معهم».

وشعر الرجل الكبير بشيء من الألم، وقال للزميل: «وهل تعتقد أنني نسيت أمر الناس؟ ألا تعرف أنني درست الحقوق على ضوء شمعة؟». فأجابه الزميل معتذرا: «جميعنا نعرف ذلك ونفخر بك. لكن الناس يا سيدي كائن متغير وظاهرة متقلبة»! تذكرت محادثة الزميل مع الرئيس سركيس وأنا أشهد مع أهل العالم كله، مأزق الرئيس حسني مبارك بين البقاء والخروج. وقد صادفت مأساته انعقاد مؤتمر «دافوس» في سويسرا، حيث كان يذهب كل عام للقاء الاقتصاديين الذين يظن أنهم سيفيدون مصر.

كانت رحلات الرئيس مبارك إلى دافوس مثار نقاش. ورحلاته الكثيرة إلى أوروبا مثار استغراب. وعندما اختار أن يمضي أكثر وقته في شرم الشيخ صار أقرب إلى نبض السياح منه إلى نبض المصريين وأحوالهم.

الزعماء العرب الذين اعتادوا الذهاب إلى دافوس، تغيبوا جميعا هذه السنة لأسباب طارئة. وكان يفترض ألا تكون طارئة، لو أنهم تنبهوا، بكل بساطة، إلى أن بعض شعوبهم يعيش خارج مستويات الحياة.

لقد بلغت الغفلة في حكومة مصر الأخيرة أنها نشرت باعتزاز الأرقام التي تبين كم ارتفع عدد المهاجرين، في حين أنه أمر يدعو إلى الخجل. كم أساء بعض من أحاط بالرئيس مبارك إليه. وقد أحيلوا إلى القضاء بعد فوات الأوان.