جمهورية ميدان التحرير

TT

واضح أن عاصفة التغيير التي تبدو مصر على أعتابها بعد ما حدث في 25 يناير (كانون الثاني)، والتي يصفها حتى الإعلام الرسمي هناك بأنها ثورة، ستأخذ وقتها بين شد وجذب من الأطراف حتى ينقشع غبار العاصفة وتتضح الصورة أو الصيغة التي ستكون عليها التركيبة السياسية المستقبلية.

وسط الأحداث اليومية التي يتسارع إيقاعها بشكل يدفع العالم والمتابعين إلى اللهاث وراءها، لا سيما أن الكثير من القوى التي ظهرت على الأرض - خاصة حركات الشباب التي فجرت هذا التحرك الشعبي - كانت مفاجأة للعالم الخارجي، وإن كانت بروفة ما حدث جرت قبل شهرين من 25 يناير بحركات الاحتجاج التي نظمت من خلال الدعوات على الإنترنت لوقفات احتجاجية في قضية الشاب خالد سعيد التي أصبحت هناك حركة باسمه - وسط هذه الأحداث هناك عدة ملاحظات.

أول ملاحظة هي إعادة اكتشاف حجم وأهمية بلد مثل مصر. كان الكثير من التحليلات والآراء التي تنشر في الشهور السابقة تتحدث عن تآكل في دورها إقليميا ودوليا، وحتى الحديث عن عدم الحاجة إلى دورها، فجاءت الأحداث الأخيرة ورد الفعل الدولي والإقليمي المرتبك والمتوتر، تحسبا للمسار الذي ستأخذه الأحداث ليؤكد مجددا وزن هذا البلد وأهميته.

الملاحظة الثانية، أنه رغم المشاهد المؤسفة التي شاهدها العالم لما تعرضت إليه المظاهرات، وخاصة «موقعة الجمل»، التي حدثت فيما يشبه موجة جنون أو تصرفات صبيانية من أطراف ضد المحتجين في ميدان التحرير، فإن هؤلاء الشباب والمحتجين نفضوا غبار صورة سلبية كانت موجودة عن المنطقة كلها ويتم الترويج والتنظير لها في الأروقة العالمية بأن هذه المنطقة استثناء عن بقية العالم، وأنه إذا مرت الديمقراطية على كل أرجاء المعمورة، فإنها ستتجنب منطقة الشرق الأوسط، لأن لها «طبيعة خاصة» كما كانوا يقولون، وأثبت ما حدث تهاوي هذه النظريات، وأن هذه الشعوب ليست ميتة، وتستحق الاحترام.

الملاحظة الثالثة هي أن «جمهورية ميدان التحرير» هذه أجبرت الجميع، خاصة العالم الغربي، على إعادة التفكير في القناعة أو الصورة التي كانت تشكلت خلال سنوات ورسختها أحداث غزة وقبلها إيران، بأن أي تغيير في الأمر الواقع يعني قدوم متشددين إسلاميين، أو في حالة مصر «الإخوان المسلمين»، بصيغ متشددة للحكم داخليا، وخارجيا على نمط ما حدث في إيران بعد ثورتها. وبالتالي الدخول في أزمات دولية وإقليمية لا يعرف أحد مداها.

وقد ثبت في أحداث مصر أن الإخوان لم يكونوا القوة التي فجرت 25 يناير، كما أنهم في أي مشهد أو صيغة مقبلة غير مرشحين أو مؤهلين لأن ينفردوا به، ولا أحد في المشهد الاحتجاجي المصري الدائر حاليا يستلهم فكرا متشددا. وأستعير هنا قول متابع ومحلل للأحداث في مصر، بأن فكر الإخوان يقوى في غياب السياسة. بمعنى أنه عندما لا تكون هناك سياسة حقيقية في المجتمع، فإن نجم الإخوان يصعد لأنهم الوحيدون الذين يملكون خارج الحزب الحاكم والمؤسسات الرسمية قوة تنظيمية فعالة على الأرض، وإن كان الشباب الذين فجروا الاحتجاجات وجدوا مجالا تنظيميا لهم أقوى في الفضاء الإلكتروني.

أخيرا، وسط العواصف يكون هناك عادة ضحايا أو مظلومون لا أحد يتنبه لهم، وهنا لا بد من قدر من الإنصاف لأحمد نظيف رئيس الحكومة السابقة التي أطاحت بها الأزمة. فالثورة المعلوماتية والإنترنتية، التي لولاها لما وجد شباب 25 يناير المجال لإبداء آرائهم، هو المسؤول عنها، والإصلاحات الاقتصادية التي طبقت في عهده كانت محل إشادة دولية، وحققت نسب نمو مرتفعة، وتدفقات استثمارات أجنبية وأرقام صادرات غير تقليدية وغير مسبوقة في الاقتصاد المصري، المشكلة هي أن «الثمار» لم يشعر بها الجميع في المجتمع، وهذه قضية أخرى.