مصر التي تقلق وتطمئن الجميع

TT

«وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً»، هذه الآية الكريمة هي حال المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي، الذي أكبر ثورة المصريين المشتعلة منذ أكثر من 10 أيام. يود خامنئي أن تتحول شوارع كل الدول العربية، من المحيط إلى الخليج، إلى نيران مشتعلة كما حدث في طهران. هذه حالة نفسية أيضا؛ لأن العليل يود أن تعم علته على الجميع ليتحقق توازنه النفسي.

الثورة الخضراء في إيران، التي اشتعلت احتجاجا على نتيجة الانتخابات الرئاسية، كانت كالعصا في دولاب السير، أبطأت تنفيذ سياسة الثورة الإيرانية التوسعية في الخارج؛ لأنها فتحت جبهة داخلية حينما قسمت المجتمع إلى شطرين. بالنسبة لتونس، لا تمثل ثورة الشارع فرقا كبيرا لخامنئي سوى أنها هزة لجندي عربي، أما «الشاه الملك» فهي بالتأكيد مصر، التي تضمر لها إيران عداوة تظهر أحيانا في استفزازات تعكس فتور العلاقة، كتسمية شارع في طهران باسم خالد الإسلامبولي الذي اغتال الرئيس المصري أنور السادات، وحتى فيلم «إعدام فرعون» الذي أنتجته إيران عام 2008 لإدانة سياسة السادات وتأييد عملية اغتياله. أو في أحداث أكثر عمقا أصابت العلاقة بين البلدين خلال القرن الماضي؛ حيث قطعت مصر الناصرية علاقتها بإيران الشاه حينما اعترفت الأخيرة بإسرائيل، عادت العلاقة بين البلدين في عهد السادات، وما لبثت أن انتكست بالقطيعة بعد قيام الثورة الإسلامية الخمينية وتوقيع السادات اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل.

مصر هي أحد أضلاع المثلث الذي مثل حاجزا أمام التوسع الإيراني في المنطقة العربية، إلى جانب العراق والسعودية. ظلت السعودية تمسك بشعرة معاوية، وظلت الأعراف الدبلوماسية هي التي تحكم العلاقة بين الطرفين، فالرياض لا تريد أن تخسر إرث حكم خاتمي الذي أسس لعلاقة طبيعية معها، لكنها كعادتها تراهن على الوقت. تمثل السعودية مع مصر منذ عام 2003 الجدار العازل الوحيد الذي يمنع إيران من الهيمنة على المنطقة العربية بعد استبعاد خطر صدام حسين وامتداد النفوذ الإيراني داخل العراق.

الفوضى التي يخشى المراقبون من وقوعها في مصر ليست فقط داخلية، الدول الكبرى أفقية وعمودية التأثير، فتداعيات أزمة مصر الحالية وعدم استقرار النظام الحاكم فيها أمر غاية في الخطورة. إسرائيل لم تكن تحلم بقصور أمني في دولة محورية كمصر يفتح البوابة المصرية لجواسيسها وربما لأكثر من ذلك إن شعرت بتهديد بسبب قناة السويس، المفصل التجاري الحيوي، التي هزت أسواق النفط العالمية لمجرد الشك في استقرارها.

في الداخل المصري لا يمكن إلا التركيز على الإخوان المسلمين الذين أبوا أن يؤدوا الصلاة مع إخوانهم المسلمين في ميدان التحرير واعتزلوا في صلاة خاصة بهم، في إشارة واضحة إلى اختلافهم الروحي والفكري عن بقية المجتمع المصري المسلم، هؤلاء الذين كانوا سببا في إشاعة الشقاق منذ 60 عاما في العالم العربي لا يزالون يحلمون بتأسيس ولاية فقيه أخرى في مصر لتوافق أختها في إيران وجنوب لبنان، الإخوان الذين كانوا يطالبون بالحوار مع النظام المصري استكبروا عليه اليوم ورفضوه، على الرغم من أنه لا يستطيع أن يدعي أي حزب مصري معارض أنه كان له فضل في إشعال فتيل ثورة ميدان التحرير اليوم، ولكنهم بكل تأكيد استنفعوا من أجوائها.

أما الولايات المتحدة فوقعت تحت تأثير الصدمة أكثر من أي دولة أخرى، أوباما لم يكن مستعدا لمواجهة أكبر أزمة سياسية تواجهه منذ توليه سدة الحكم، وهيلاري كلينتون تخبطت في تصريحاتها فأطلقت تصريحين مختلفين في يوم واحد.. أظهر الموقف الأميركي حدة في رد فعله وتصريحات نارية غير معتادة في مثل هذه الظروف التي تستدعي التهدئة والتغير السلس. الأمر الإيجابي حتى الآن، وسط زحام القلق والترقب، هو أن بعض الدول العربية دب فيها الخوف من عدوى الثورات، فالرئيس اليمني سارع إلى نفي تهمة التوريث عنه أو التمديد لفترة رئاسية أخرى، على الرغم من أنه كان بصدد القيام بتعديلات دستورية تتيح له فترات رئاسية مؤبدة، كما دعا أحزاب المعارضة المهمشة منذ سنوات إلى العودة لطاولة الحوار. وفي الجزائر يتحدث الرئيس بوتفليقة عن رفع حالة الطوارئ المعمول بها منذ 19 عاما.

في هذه المرحلة الحساسة، على المصريين الذين أخرجهم للشارع قلة ذات اليد، والبطالة، والفساد المالي، أن يدركوا أن كل ساعةٍ وقوفا في الشارع وتعطيلا للحياة العامة ستلقي بأثرها على أوضاعهم الاقتصادية لسنوات طويلة مقبلة، وهي خسارة مرتبطة بشكل أساسي بقطاع السياحة الذي يقوم على الاستقرار الأمني، وزيادة احتمال استهداف مواقع اقتصادية حيوية كما حدث بتفجير خط أنابيب الغاز في العريش، إضافة إلى هروب الاستثمارات الأجنبية على المدى القريب والمتوسط والبعيد، وهي أمور مهمة تستحق أن تكون لها هي الأخرى وقفة مراجعة.

* جامعة الملك سعود

[email protected]