المشهد المصري بعيون إسرائيلية

TT

لم تخف وسائل الإعلام الإسرائيلية قلقها من استمرار انتفاضة الشباب المصري، فبعد طلب وزارة الخارجية الإسرائيلية في يوم 30 يناير (كانون الثاني) 2011 من الإسرائيليين مغادرة الأراضي المصرية، طالبت إسرائيل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالحفاظ على استقرار نظام حسني مبارك. وفي اليوم السادس للانتفاضة كسر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الصمت الذي ألزم به نفسه وحكومته قائلا: «نتابع بيقظة الأحداث في مصر وفي المنطقة، ويتعين علينا في هذا الوقت أن نظهر المسؤولية وضبط النفس»، مضيفا أنه يأمل أن تستمر العلاقات السلمية مع مصر.

وتجنبت المؤسسات الإسرائيلية المختلفة التعليق على تعيين رئيس الاستخبارات المصرية اللواء عمر سليمان نائبا للرئيس، ويمكن الجزم بأن الهدف من التحفظ والصمت الإسرائيليين إزاء انتفاضة الشباب في مصر وتداعياتها المتسارعة على المشهد السياسي المصري، كان للمداراة على حالة الهلع في إسرائيل ومحاولة إخفاء التحركات، والاتصالات مع الإدارة الأميركية للاطمئنان لما سيحدث مستقبلا، في ظل استمرار الانتفاضة.

ويمكن الاستدلال على مدى الخوف الإسرائيلي من الانتفاضة في مصر من خلال قيام وزير الجيش الإسرائيلي إيهود باراك بعقد مشاورات أمنية خاصة، وبمشاركة جميع رؤساء الأجهزة الأمنية والأذرع الاستخبارية، وقد دفعته إلى ذلك الهواجس الإسرائيلية المتعلقة بالخوف الشديد على اتفاقات السلام، حيث بات بعض الاستراتيجيين في إسرائيل يعتبرونها «على كف عفريت» في ظل ما تشهده مصر من استمرار الانتفاضة التي تطالب بتغيير نظام حسني مبارك، فضلا عن الموقف الغربي والأميركي منها، الذي لم يرض بدوره إسرائيل، حيث استغرب مسؤولون سياسيون وأمنيون إسرائيليون دعوات الإدارة الأميركية ودول أوروبية للنظام المصري بعدم قمع المظاهرات وعبروا عن معارضتهم لها.

وفي نفس الاتجاه، أشار كبير المعلقين في صحيفة «يديعوت أحرونوت» ناحوم برنياع، إلى أن الجماهير المصرية التي نزلت إلى الشارع منذ يوم 25 يناير 2011 طالبت بالخبز والعمل ونظافة اليد والديمقراطية، ومن أجل هذه الحقوق الأساسية هم مستعدون للوقوف أمام الدبابات وخراطيم المياه وفي وجه دروع الشرطة. ورأى المحلل السياسي في صحيفة «إسرائيل اليوم» دان مرغليت أنه «سيكون هناك انعطاف في اتفاق السلام، وفي أفضل الأحوال فإن التغييرات ستكون هامشية، لكنها لن تتوقف عند هذا الحد، بل سيتدهور الوضع خلال بضع سنوات لجهة تبني موقف متطرف تجاه إسرائيل، ولن يكون هذا بإلغاء اتفاق السلام وإنما بالمس بمستوى العلاقات الدبلوماسية. وتابع أن «الشرق الأوسط، وإسرائيل بداخله، يستيقظ هذا الصباح على عهد انعدام اليقين، وبالتأكيد على أيام مخيفة وحالة جهوزية في ما يتعلق بتأثير شعلة القاهرة على الاستقرار، ربما في عدة مراكز عربية في إسرائيل وفي المدن الفلسطينية وفي الضفة الغربية».

ومن ناحيته، يرى الكاتب في صحيفة «هآرتس» عاموس هرئيل أن «انهيار النظام القديم في القاهرة إذا حدث، فسيكون له تأثير سلبي كبير في وضع إسرائيل الإقليمي، وقد يعرض في الأمد البعيد تسويتي السلام مع مصر والأردن للخطر». واعتبر الكاتب المذكور أن من شأن هذه التطورات أن تفقد إسرائيل حليفيها، الأردن ومصر، اللذين يرى أنهما «أكبر كنوز إسرائيل الاستراتيجية بعد تأييد الولايات المتحدة». وأضاف أن «هذا الأمر قد يوجب تغييرات في الجيش الإسرائيلي ويثقل على المستوى الاقتصادي أيضا». وفي هذا الاتجاه أكدت صحيفة «غلويز» الاقتصادية الإسرائيلية أن وزارة البنية التحتية في إسرائيل أجرت مناورات استعدادا لحالة طوارئ في حال انقطاع إمدادات الغاز المصري للسوق الإسرائيلية.

ويشار إلى أن أربع شركات إسرائيلية وقعت في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي (2010)، عقودا لشراء الغاز المصري على مدى عشرين عاما بقيمة قدرت بنحو ستة مليارات دولار. واللافت أن انسياب الغاز من مصر إلى إسرائيل يعتبر أحد أوجه التطبيع الاقتصادي الرسمي مع مصر، في وقت غابت فيه مؤشرات حقيقية حول التطبيع الشعبي، على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة عقود على الاتفاقات المصرية - الإسرائيلية.

وذهبت صحف إسرائيلية أخرى إلى أبعد من ذلك بتوصيفها لمستقبل منطقة الشرق الأوسط بعد انطلاقة انتفاضة في مصر، حيث أشارت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أكثر من مرة إلى أن إسرائيل ستصبح «جزيرة منعزلة في محيط من الكراهية»، وأن «شرق أوسط جديد» يتشكل الآن «غير ذلك الذي تمناه الحالمون عندما أطلقوا إلى هواء العالم هذه العبارة». وأضافت «في الشرق الأوسط كل شيء يمكن أن يحصل، وكل شيء يمكن أن ينقلب رأسا على عقب في غضون يوم، أو في غضون ساعة، علينا أن نكون جاهزين كل يوم لكل شيء».

ومن الأهمية بمكان، الإشارة إلى أن مشروع الشرق الأوسط الجديد قد طرح بعد انطلاقة المفاوضات العربية بمدريد في نهاية عام 1991، وكان من أهم منظريه الرئيس الإسرائيلي الحالي شيمعون بيريس، وقد صدر له كتاب في عام 1993 بالعنوان المذكور يوصف في بعض فصوله آليات المشروع المذكور الذي ركز على فكرة التطبيع الاقتصادي، بحيث تكون إسرائيل مركزا اقتصاديا للشرق الأوسط الجديد المقترح، لكن المشروع المشار إليه لم ير النور على الرغم من مرور نحو عشرين عاما على انطلاقة المفاوضات (1991 - 2011). وتبقى الإشارة إلى أنه على الرغم من التخوف الإسرائيلي من انتفاضة الشباب المصري والتداعيات المحتملة على إسرائيل وبشكل خاص على اتفاقيات السلام الموقعة مع مصر ومستقبل انسياب الغاز المصري إلى إسرائيل، بيد أن العلاقات الاستراتيجية الأميركية - الإسرائيلية ستكون ضامنا رئيسيا لاستمرار الالتزام بتلك الاتفاقيات على الرغم من التخوفات والهواجس الإسرائيلية من انفراط عقدها.

* كاتب وباحث فلسطيني

مقيم في سورية