العصف المصري في إسرائيل

TT

طيلة الأحداث المتسارعة والعاصفة التي اجتاحت مصر، كنت إلى جانب متابعة الأخبار المصرية، أتابع ردود الفعل الإسرائيلية.. فمن تل أبيب ترى الانعكاس الأهم لما يجري في مصر.

لم تبهرني غزارة المعلومات المتوفرة لدى الصحافيين الإسرائيليين عن مصر، في زمن كل شيء فيه تتم معرفته بضغطة زر على جهاز الكومبيوتر، إضافة إلى بديهية أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ما تزال ترى في مصر الساحة الأهم التي تستحق أن تراقب وتتابع بأدق التفاصيل.. وبمقدور هذه الأجهزة أن تجمع القدر الأكبر من المعلومات ولو من خلال الثرثرات الإعلامية التي لا تترك «سترا مغطى» كما يقال.

وحين تكون مصر المضطربة والغاضبة هي محل الاهتمام الأول في إسرائيل فإن الخوف على السلام مع هذه الدولة الإقليمية العظمى يظل الهاجس الأهم والأكثر مركزية في التفكير والاستخلاصات وبصرف النظر عن الخلاصة التي سيؤول إليها الوضع في مصر بعد الثورة الشعبية غير المسبوقة، فإن في إسرائيل استنتاجا يقينيا بأن المستقبل لن يحمل للدولة العبرية أفضل مما كان في الماضي بل إن المخاوف الإسرائيلية تجلت في الحديث المتجدد عن كفاءة القيادة العسكرية للجبهة الجنوبية مع استذكار أن الجيش المصري ما يزال يتلقى درسه اليومي المنسجم مع عقيدته الأصيلة، التي ترى الخطر قادما من إسرائيل بل وأكثر بكثير مما تراه قادما من مكان آخر.

واستنتاج كهذا، لا بد وأن يطال الرؤية الإسرائيلية والتحليل الميكروسكوبي للسياسة الأميركية تجاه مصر وتجاه ما يسمى بمعسكر الاعتدال في المنطقة، إنهم في إسرائيل ينتقدون الإدارة الأميركية، أي إدارة أوباما، على إفراطها في التوجه المنافق نحو العرب والمسلمين، دون حساب لمدى قدرة هذه الإدارة على سداد فواتير هذا التوجه. إن خلاصة التقييم الإسرائيلي - ولربما يكون هذا موضع إجماع - تتلخص في أن الإدارة الأميركية ضلت طريقها في أمر التعامل مع حلفائها المتبقين فلم تعد قادرة على دعمهم ولا حتى دعم معارضيهم، فهي إذن تكتفي بدور المراقب الذي ينتظر خلاصات الصراع الداخلي حتى تتعامل معه.. مع بعض التسرع غير الأخلاقي في التخلي عن حسني مبارك.

ومن خلال المتابعات الإسرائيلية للتطورات المصرية تلاحظ تأثير الشبح الإسلامي على التفكير والحسابات الإسرائيلية وإذا كانت إيران هي التجسيد الاستراتيجي للخطر المحدق فإن الإسلام «المعتدل» الذي تجسده تركيا، ويجسده على نحو ما الإخوان المسلمون في مصر، لا يقل خطورة على المكانة الاستراتيجية لإسرائيل.. فهم يقرون بزعزعة الحلف الاستراتيجي بين تل أبيب وأنقرة، ويتخوفون من نفوذ قادم للإخوان المسلمين في مصر على مستوى العلاقات المستقرة التي أفرزتها اتفاقية السلام مع إسرائيل. أما إيران فإن لإسرائيل مخاوف جديدة إذ أن المؤكد لو استمرت أسعار النفط في الارتفاع مع استمرار الأزمة المالية والاقتصادية أن لا تسمح أميركا لإسرائيل بالقيام بأي عمل عسكري ضد إيران فما بالك بالرهان على أن تفعل ذلك الولايات المتحدة ذاتها.

إن تحليل الأوضاع والتنقيب عن مصادر الخوف عند المثقفين الإسرائيليين وحتى المؤسسة العسكرية والأمنية وغيرها من المؤسسات الأساسية في الدولية العبرية، وإن بدا تفصيليا إلا أنه يخلو من اقتراحات ولو تقريبية لمعالجة المستجدات وتسارعها ولو أن بعضا من الكتّاب أو المفكرين رأى مخارج لا أظن أن القيادة الإسرائيلية جاهزة لحسم أمورها بشأنها.

المخرج الأول: هو أن تسرع الحكومة الإسرائيلية خطوات عملية نحو السلام مع الفلسطينيين وإن لم تستطع ذلك بحكم اعتبارات داخلية وحتى فلسطينية فلتتوجه إلى الثاني أي إلى سورية لإبرام اتفاق سلام معها.. ذلك مع رهان مستمر يمكن أن يقرأ من بين السطور، وهو الاعتماد على احتمال تفكك القوى المحيطة بإسرائيل من داخلها. بحيث يصبح بمقدور الدولة العبرية التعاطي مع المستجدات بقدر أقل من المخاوف.. انطلاقا من الإفادة من المرحلة الانتقالية التي لا بد وأن تعيشها المنطقة بفعل تغيير السلطة سواء من قبل الشارع حسب التجربة التونسية، أو من قبل النظام ذاته حسب المحاولة المصرية مع وضع نسبة متدنية لاحتمال المفاجآت في مناطق أخرى.

إن إسرائيل تراهن على طول المدى الزمني للفترة الانتقالية في مصر والتحولات المحتملة في مناطق أخرى، وتراهن كذلك على ضعف قدرة هذه الدولة الكبيرة على الانتقال من حالة السلام المستقر مع إسرائيل إلى حالة الحرب الوشيكة معها، إلا أنهم في إسرائيل - وبحكم عقدة الخوف المتأصلة في الوعي اليهودي - سوف يتصرفون ميدانيا على أساس أن عالما محيطا بهم قد تغير ولا مناص من أن تتغير في إسرائيل أشياء كثيرة.