مصر.. وفارق التوقيت!

TT

التأخير في اتخاذ القرارات في الأزمة المصرية بات أمرا محيرا، وقد يقول البعض: أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي على الإطلاق. وهذا غير صحيح في معالجة الأزمات التي تهدد كيان دولة. أهمية التوقيت بمعالجة الأزمات السياسية أحيانا لا يقل عن أهمية التوقيت في الإقلاع والهبوط بالطيران، ففي الدقيقة حياة وموت.

مؤشرات الأزمة المصرية كانت واضحة منذ أزمة تونس، وكان الرد الرسمي أن ذلك «كلام فارغ». وعندما خرج الشباب متظاهرين ورافعين شعار «كرامة.. حرية.. عدالة اجتماعية»، كان الرد بأن حذر رئيس الحكومة السابق من أنه «سيكون هناك تدخل قوي وسريع من جانب رجال الشرطة..». وبدأت تلوح في الأفق مظاهرة «يوم الغضب»، وخرج من الحزب الحاكم من قال: «لا المظاهرات جديدة ولا الإضرابات شيء جديد».

وجاء «يوم الغضب» واهتزت مصر كلها وخرج الرئيس مخاطبا شعبه، وأعلن أنه طلب من الحكومة الاستقالة، وكانت أيضا خطوة متأخرة، ثم جاء الحدث المحير حيث تلاشت الشرطة، وفتحت السجون، ونكلت مصر بنفسها بشكل غير مسبوق، وارتفع سقف المطالب، وازداد الضغط الدولي، ثم ظهر الرئيس مرة أخرى وأعلن تعيين عمر سليمان نائبا، وباتت المطالب أكبر حيث الطعون الانتخابية، والتعديلات الدستورية، وتأخر النظام، والأمور تتعقد. ثم أعلن اللواء سليمان أن الرئيس قد كلفه بإجراء حوار مع كافة الأطراف، ومناقشة التعديلات الدستورية، وبدا أن مبارك قد استجاب لمطالب الشعب، لكن الأوضاع كانت تتفجر على الأرض، والمطالب تتصاعد، والنظام يتأخر.

بعد ذلك، خرج الرئيس بخطابه الشهير معلنا أنه لن يترشح للرئاسة، وبدا خطابا مؤثرا، وتنفس الشارع المصري والعربي الصعداء، وظن أن الأزمة باتت تنفرج، حتى جاءت المفاجئة المذهلة، وهي معركة الجمل بميدان التحرير، وبعدها أصبح المطلب رأس النظام!

السرد أعلاه يرينا كيف أن التأخير كان يفاقم الأزمة التي كان يمكن تجنبها، ليس حفاظا على أشخاص، بل للحفاظ على مصر كلها. وها هو اللواء سليمان أعلن بالأمس فقط تشكيل اللجنة الدستورية المنوط بها تعديل الدستور، واشتملت على أسماء طالب بها الشباب من قبل. وأعلن سليمان أيضا عن خارطة طريق للانتقال السلمي للسلطة، وهو ما طالب به الشباب كذلك من قبل.

نقول ذلك لأن مصر أهم من الأسماء، وأكبر من أن يحاضرها أشخاص مثل حسن نصر الله، خصوصا أن المطالب التي قدمها الشباب حقيقية وتنبع من أرضية قوية، وليس كما كان يقول الإعلام المصري الرسمي، الذي بدأ يتغير هو نفسه متأخرا. فها هي صحيفة الأهرام تصدر ملحقا للشباب يوزع مجانا بميدان التحرير، فالمطالب حقيقية، وأهل مصر يعرفون طبيعة بلدهم ومجتمعهم جيدا، وما يؤكد ذلك هو ما قاله الرئيس مبارك نفسه عام 2005 في حوار له مع قناة «العربية» حين سأله الزميل سعد السيلاوي عن الاستمرار في الحكم، فكان رد الرئيس بلهجة مصرية: «دي إرادة شعب.. إذا الشعب مش عايزك لما تعمل إيه.. مفيش فايدة».

وعليه، فإن المراد قوله هنا هو أن اتخاذ القرار الجيد في الوقت الخاطئ أمر خطر جدا على مصر وأهلها.

[email protected]