في ساعات الرجال

TT

ترافق تغيرات الأمم والرجال والعهود مآزق في مواقف الأمم والسياسيين.. ماذا يفعل المؤيدون عندما يرون زعيما على وشك السقوط؟ هل يستمرون في التأييد ويخسرون؟ هل يصمتون، ويخسرون؟ هل ينضمون إلى المعارضين ويتحملون تهمة الخيانة؟ جميع البشر يعبرون هذا المأزق، في مرحلة ما، في كل الأمم. كان الحزب الشيوعي السوفياتي يضم جميع الناس، وخلال أيام لم يعد يلقى سوى النقد واللوم والهجوم. وتحول وزير خارجية موسكو والكرملين، إدوارد شفردنزه، إلى مسيحي يعلق خلفه الصور التي كان يأمر بتحطيمها، بعدما مضى عمره يعلق صورة لينين.

الإنسان كائن ضعيف محكوم بالخوف أو بالثأر. عندما سقط صدام حسين في غباوة الاحتلال، كان أول المنصرفين من حوله أشدهم مديحا له. وصار أكثر نقاده عنفا الذين كانوا أكثر مداحيه فصاحة. ولم يكن ذلك جديدا ولا غريبا؛ فمنهم من كان معه بدافع الخوف، فلما تملك الجرأة انتقم لخوفه. ومنهم من كان معه لمنفعة واضحة، فلما زال النفع كافأه بالضرر. ومنهم من تعلم السياسة على أنها قربى من الرابح وتنكر للخاسرين، ولم يجد غضاضة، لا في التأييد الخطأ ولا في الانفكاك اللاهث.

كانت مارغريت ثاتشر إحدى أقوى حكام العالم. وفي العام التالي لاعتزالها تلقت أربع بطاقات بريدية في تهاني العام الجديد: اثنتان بينها، من ابنتها وابنها!

كان مثيرا ومحزنا مشهد الدول المتلعثمة والرجال الحائرين، وهم لا يعرفون إلى متى سوف يظل الوضع معلقا في مصر، لكي يتخذوا موقفهم من حكم الرئيس حسني مبارك. التعامل مع عزل الرئيس زين العابدين بن علي كان أكثر سهولة؛ فهو رجل بلا أصدقاء في أي حال. وباستثناء صورة أسبوعية في إحدى المجلات اللبنانية ومعها خبر عن تدشين بحيرة أو محطة قطار، لم يكن بن علي يشغل الإعلام العربي بشيء. أما الرئيس مبارك فقد كان عليه أن يكون في الإعلام كل يوم، بصفته رئيس مصر، حتى لو غابت المناسبة.

هذه طبائع البشر وخصائص الإنسان. وفي متابعة أخبار مصر ومواقف السياسيين والزملاء لم أكن أبحث عن أبطال ولا عن بطولات، وإنما عن مشهد بشري يتكرر منذ التاريخ، منذ يوليوس قيصر إلى نيقولاي تشاوشسكو الذي منع حرسه من الهرب وحاكمه ضباطه وأطلق عليه أحدهم (وعلى زوجته) رصاصة الإعدام في الصدغ. فما نحن إلا بشر.. أو هكذا سمينا أنفسنا.