الشعب يريد إسقاط.. ماذا؟

TT

الرئيس اليمني سارع وأطفأ الاحتجاجات معلنا تخليه عن فكرة البقاء مدى الحياة في الرئاسة، وتعهد لشعبه بأنه لن يسمح لابنه أن يخلفه في الحكم. أطفأ الحريق بكوب ماء ولم ينتظر حتى تبلغ النيران بيته. الرئيس صالح سيكمل رئاسته حتى آخر يوم وسيجد من الوقت ما يكفي لترتيب شؤون الحكم من بعده.

الرئيس التونسي فضل الخروج وترك تونس لحالها دون أن يناور فيبقى أو يستقيل ويخرج. أما الرئيس المصري، فاختار التمترس مع محاورة المعارضة ملبيا بعض مطالبها، مدركا أن خصومه الجالسين في ميدان التحرير متفقون على إخراجه لكنهم متفرقون حول من يخلفه. ويجب ألا ننسى أن مصر دولة ونظاما أكبر من أن تغير، حتى السلطة نفسها تعجز عن تغيير نفسها من الداخل. وأعتقد أن هناك مؤيدين لإنهاء فترة حكم مبارك في داخل القوى المركزية للدولة.

ومهما بدت الأحداث مختلفة بين المعارضة والحكومات، تبقى مثل مباريات كرة القدم، مهم كيف يلعب الفريق إنما الأهم النتيجة. والنتيجة في محاولات الانقضاض على السلطة أن بن علي خسر الحكم عندما خرج، لكن لا يزال النظام قائما. مبارك حتى لو تخلى عن الرئاسة، فإن السلطة المصرية أقوى مما يظن المعارضون.

قبل الهجوم على ميدان التحرير، تم تضييق المسافة بين الرافضين لمبارك والمؤيدين له، والحقيقة أن الشباب المحتج حقق نتيجة مهمة عندما حصل من الرئيس على وعد بإنهاء حكمه الذي دام ثلاثة عقود بعد تسعة أشهر، وأيضا إنهاء حظ ابنه جمال في توريثه، ونجح في إسقاط حكومة نظيف وقبول الطعون في فوز نحو مائة مرشح برلماني. هذه المكاسب قد تضيع بعد أن ارتفعت المطالب. فنحن أمام ثلاثة فرقاء: المؤيدون لخروج مبارك من الحكم هم الأغلبية في ميدان التحرير، والشعب خارج الميدان القلق على سلامة البلد إن انهار النظام أو ضعف، وهناك النظام القوي الذي هو الآن تحت الامتحان. وبكل تأكيد، اندفاع القوى الاحتجاجية الشبابية من شعار رفض مبارك إلى ما وراء ذلك، أيقظ القوى النائمة.

وها هو الرئيس لم يخرج ولم يستقل، والمعارضة شقت من وسطها بين مكتفٍ وطامع في المزيد من التنازلات، حيث تبدل الشعار من (الشعب يريد إسقاط الحكومة) إلى (الشعب يريد إسقاط النظام). هذه قفزة بعيدة في الهواء جعلت كل قوى النظام ومواليه والخائفين من تبعات الانهيار، يسرعون لحماية النظام والدفاع عنه بشراسة. وسيكتشف المطالبون بالتغيير الشامل أن عجزهم هو عدم فهم الفارق بين الحكومة والنظام أو الرئيس والنظام، وأنهم ربما شبعوا فرصة الاحتفال بالنصر.

[email protected]