ما بعد سياسة «مدعوم أميركيا» الخارجية

TT

«مدعوم من أميركا» سمعنا هذه العبارة مرة بعد أخرى من صحافيين وسياسيين ومحللين سياسيين. إنها مثل نعت يحمل نبرة ماكرة ومغرورة في إشارة إلى حكومات وأحداث في دول العالم الثالث، وكأن الدعم الأميركي بصورة أو بأخرى العنصر الحاسم في أي مشكلة فاصلة.

وحتى يوم الثلاثاء (الأسبوع الماضي)، عندما طلب الرئيس باراك أوباما، بحسب ما ورد، من الرئيس المصري حسني مبارك أن يتنحى عن منصبه، كانت هذه العبارة ملاصقة للرئيس المصري، فقد كان يوصف بأنه حليف «مدعوم من أميركا». وقد قرأنا عن الحكومات المدعومة من أميركا في الأردن وتونس. وفي العام الماضي، كان هذا الوصف مرتبطا بحكومات داخل هندوراس وكولومبيا.

هذه الفكرة ليست خاطئة من الناحية الفنية - وقد أشرت إلى برامج أو سياسيين مدعومين من الولايات المتحدة - ولكن المعنى الكامن وراء هذه العبارة كتعريف مختصر هو معنى عفا عليه الزمن يعود إلى فترة الحرب الباردة يبالغ في نفوذنا ويمزج بصورة خاطئة في الأغلب بين علاقاتنا، وما نوافق عليه. كما يفرض إطارا أميركيا خطيرا لأحداث في العالم الثالث؛ سواء بالنسبة للسياسة الأميركية أو بالنسبة للدول المتأثرة.

وما تظهره الأحداث التي تتكشف داخل مصر، مثلما أظهرت الأحداث في الكثير من أزمات العالم الثالث منذ أواخر فترة الحرب الباردة، هو أنه بعيدا عن الغزو العسكري، فإن النفوذ الأميركي محدود ودائما ما يكون غير ذي صلة.

لقد ضمنت نحو ملياري دولار سنويا في صورة مساعدات منذ 1979 لنا تجاوب الجيش المصري ومبارك، الحليف المفترض لخمسة رؤساء أميركيين منذ توليه منصب الرئاسة في 1981. ولكن الاستعداد لتلقي مطالب من الرؤساء الأميركيين أمر قد ولى حتى الآن، فالقادة المصريون سيقررون ما سيقومون به اعتمادا على مصالحهم الخاصة، وليست مصالحنا. ويمكن النظر إلى استعدادهم لإثارة أعمال عنف داخل الشوارع.

في هذه الأثناء، يتحدث أميركيون في اليسار واليمين وكأن نجاح أو فشل الديمقراطية داخل مصر ودول أخرى في العالم الثالث يعتمد علينا. ويبدو الأمر وكأن شعوب هذه الدول أطفال، وأننا ما زلنا قادة «التكتل».

وفي صحيفة «نيويورك تايمز» الأسبوع الحالي، أعرب الكاتب المحافظ ديفيد بروكس عن شعور بالأسف لأن «الولايات المتحدة دائما تتعامل مع الأشياء بصورة خاطئة»، وقال إننا نطأ على «كرامة» المصريين. وفي الوقت نفسه اتهمت الليبرالية مورين داود الإدارة بالسعي إلى «وقف نمو غير منضبط للديمقراطية داخل العالم العربي».

وربما تُطرح تساؤلات عن طبيعة الاحتجاجات التي تحدث. وفي القاهرة لم يكن هناك مَن يهتف «تسقط أميركا». وبدا واضحا للمصريين أن أوباما، من خلال دفعه مبارك إلى التنحي علنا، ليس هو العدو.

ويفهم معظم المواطنين داخل الدول النامية - الآسيوية والأفريقية والعربية والأميركية اللاتينية - الأساليب الدبلوماسية، وأن الحكومة تمثل الدولة وأن العلاقة لا تعني الموافقة. والأميركيون هم المهووسون بتصريحات قديمة و«شفافية» في كل شيء.

وعلاوة على ذلك، فإنه من بين الأخطار الكبرى في إطارنا الداخلي أن الصحافيين والمحللين الأجانب يوجهون انتقادات ويكررون المبالغة في تأثيرنا ويرفعون التوقعات والانتقاد في الخارج. وفي الأغلب تقوم «الجزيرة» بذلك، وترى مؤامرات أميركية في كل مكان. ويعكس ذلك النفوذ العالمي للصحافة الأميركية وواشنطن كمركز إعلامي أكثر مما يعكس من حقائق.

ولا يعني ذلك أن الولايات المتحدة ليس لها تأثير أو أنها لم ترتكب أخطاء في موافقة استبداديين علنا، لا سيما خلال الحرب الباردة، فقد دعمنا عددا من المجالس العسكرية التي تولت مقاليد الأمور في أعقاب ثورات داخل أميركا اللاتينية وأرسلنا المارينز أكثر من مرة. ولكن في معظم الحالات، كانت تعتبر المخاطر وجودية: حياة أو موت مع الاتحاد السوفياتي.

وفي الوقت الحالي، أي من الدول النامية ليست من بين «حلفاء» الولايات المتحدة؟

كوبا وإيران وبورما. يعد هوغو شافيز داخل فنزويلا مصدر ألم، ولكن هذه الدولة من أكبر شركائنا في المجال النفطي. وبصورة أخرى، لا توجد سوى حفنة صغيرة من الدول لا تحظى بـ«دعم من أميركا» بصورة أو بأخرى.

ويشير ذلك كله إلى شيئين. أولا: يجب على الصحافيين والمحللين، إلى جانب دراسة الزاوية الأميركية، وضع إطار جديد لتحليلهم للأحداث داخل دول العالم الثالث للتركيز على لاعبين محليين ودوافع محلية. ثانيا: يجب على واضعي السياسات أن يتحلوا بالذكاء الكافي في تصريحاتهم للفصل بين علاقة مع حكومة والموافقة السياسية لما تقوم به.

وتعد مصر نموذجا جيدا؛ ففي الأسبوع الماضي، أبدت الإدارة الأميركية والقيادة الجمهورية ضبطا للنفس بصورة ملحوظة في التعليقات دعما للإرادة الشعبية المشروعة داخل مصر من دون إثارة فوضى. ونتيجة لذلك، فإن الحكومة الأميركية لا تواجه خطر أن تكون «على الجانب الخطأ من التاريخ» مثلما يخشى كثير من التقارير الإخبارية.

الآن هذا هو الخبر، ولكن النجاح الأكبر الذي نأمله سيكون الخاص بمصر.

* خدمة «واشنطن بوست»