مصر.. نرى لكن هل نستوعب؟

TT

يبدو أن الجميع في حاجة إلى مترجم يسهل لغة الحوار ما بين مصر القديمة، ومصر ميدان التحرير، فالواضح أن هناك صعوبة في استيعاب ما يدور في مصر اليوم. فيوم أمس كان هناك حدث لافت وله دلالة مهمة، وهو ما حدث للفنان المصري الشاب.. نعم الشاب، تامر حسني، حيث طرده شباب ميدان التحرير أشد طردة عندما حاول أن يلقي بهم كلمة.

نقم الشباب على الفنان تامر لأنه حاول مساندة النظام عند اندلاع المظاهرات الشبابية في مصر، وليس هذا هو المهم هنا، بل إن المهم هو رد فعل الفنان تامر حسني، الذي كانت لديه شعبية عالية بين الشباب، حيث انخرط في بكاء هستيري وهو يحلف أنه كان مخدوعا، وأنه قد قيل له أول الأزمة: اخرج وقل شيئا وأنقذ الناس، مضيفا أنه حضر للميدان ليقول للشباب إن فهمه كان خطأ للأحداث!

بكاء الفنان تامر يعني أنه باتت هناك شرعية أخرى في مصر، وتؤخذ من ميدان التحرير، والقضية ليست قضية فنان، بل ها هو الإعلامي عمرو أديب يتعرض لنفس الأمر، بحسب ما ذكرته صحيفة «المصري اليوم»، حيث لم يرغب فيه الشباب في ميدان التحرير، وهذا يعني أن ميدان التحرير بات يفرض واقعا حقيقيا في مصر. وما يكرس هذا الأمر هو نزول رموز مصرية رصينة إلى الميدان بين المتظاهرين مثل عمرو موسى، وأسامة الباز، وغيرهما من رموز المجتمع، ناهيك عن جموع من الأكاديميين، والقضاة، ورجال الدين، وبالطبع الفنانون والإعلاميون، هذا غير أطياف أخرى من المجتمع المصري.

بل وهناك أمر مهم جدا؛ فالمظاهرات لم تنحصر في أبناء القاهرة والإسكندرية، أو بين طبقات محددة، بل إنها طالت أيضا أبناء الريف المصري، ووصلت إلى الوادي الجديد، الذي دبت فيه أعمال عنف وحرق لمبنى الحزب الحاكم، ومراكز الشرطة! كما شملت المظاهرات كلا من بورسعيد، والسويس، والإسماعيلية، ناهيك عن أن المتظاهرين قد حاصروا مبنى مجلس الوزراء، والبرلمان، وهذه كلها دلالات مهمة، وكما أسلفنا أمس، فحتى الإعلام الرسمي المصري بات يخرج عن مساره الأول، ومن يشاهد عناوين الصحف المصرية الرسمية بات يختلط عليه إن كان يقرأ الصحف المستقلة، أو صحف المعارضة!

ولذا نتساءل: عندما ننظر إلى ما يحدث في مصر، هل نستوعبه؟ هنا تكمن الخطورة. مصر ليست في حالة تغيير.. مصر تغيرت، لكن لا ندري إلى أين تسير، هناك تفاؤل، وهناك تشاؤم، وكلنا متشبثون بأهداب الأمل، لكن أكثر ما يثير القلق هو أن منطقتنا لم تستوعب إلى الآن أن مصر قد تغيرت. ولذا فإن هناك حاجة ماسة اليوم لأمرين مهمين، وهما مساعدة مصر على اجتياز ما تمر به بسلام، وسهولة، ودون تدخل سافر، لكن من خلال قاعدة أساسية وهي أن الشعب هو الأهم، والأمر الآخر يكمن في ضرورة إعادة النظر في كيفية التعامل مع المرحلة القادمة بمنطقتنا سياسيا، ودبلوماسيا، فنحن أمام تحولات خطيرة، وآثارها ستظهر قريبا.

[email protected]