مريض المنطقة

TT

في الظاهر يبدو أن جزءا من العالم العربي مؤلف من أنظمة تتداعى وشبان يطلبون التغيير، بينما تتمتع إسرائيل بديمقراطية سلسة ونظام انتخابي غربي دوري وطمأنينة داخلية.. لكن أحداث مصر أظهرت أن الذي يمارس الدكتاتورية في إسرائيل هو المجتمع والفرد. لقد ارتعد الإسرائيليون فجأة من احتمال وصول حكم مصري يلغي الاتفاقات المعقودة، فماذا فعلوا هم حيال مشاريع السلام؟ اغتالوا إسحق رابين الذي تعهد برد الجولان إلى سورية، وعزلوا ياسر عرفات الذي فتح معهم باب التفاوض الفلسطيني، ولم يكفوا عن الإساءة إلى مصر والسلطة، إما مباشرة، وإما بالعودة مرة بعد أخرى إلى بنيامين نتنياهو الذي قدم للإسرائيلي صورة واحدة لا تعديل فيها، صورة الرافض والصفيق.

يتذكر الإسرائيليون مخاوفهم كلما شعروا بعطوبة السلام الذي لم يخرج من إطار الورق والحبر. وينسون أنهم يقترعون لآرييل شارون ونتنياهو في مقابل أبو عمار وأبو مازن. وينسون أن شارون ذهب إلى واشنطن يطلب من جورج بوش عدم استقبال عرفات، وأن نتنياهو ذهب يقابل بيل كلينتون، بعد خروج مونيكا لوينسكي بقليل، ليطلب منه أيضا وقف استقبال عرفات.

ثم يتذكر الإسرائيليون فجأة أنهم مجتمع خائف ومرتعد. وأن عدد مهاجريهم، حتى إلى برلين، مدينة هتلر، قد تضاعف، كما يقول دومينيك مويسي في «جيوسياسة المشاعر». ويقول أيضا إن عدد الذين حصلوا على إقامات في أوروبا قد ازداد عدة أضعاف.

صحيح، بعض البلدان العربية مريض، لكن الذي يحاول إخفاء أمراضه هو إسرائيل وسياساتها وأنواع الرجال الذين تختارهم بكل حرية لأن يكونوا حكاما عليها. فالحرية ليست فقط حرية الاختيار بل تقدير الحرية ومعرفة معانيها وارتباطها بمنظومة من القيم الواضحة التي لم يكن شارون يمثل شيئا منها ولا طبعا خلفه وربيبه. لقد قدم العرب مبادرة سلام عام رفضها الناخب الإسرائيلي، وعرفت إدارة أوباما مبادرة اتفاق مع الفلسطينيين، أهملتها حكومة نتنياهو وازدرتها وطمرتها تحت حجارة المستوطنات.

تعبر مقالات كتاب إسرائيل في الآونة الأخيرة عن خوف من تغيرات العالم العربي. لكن دومينيك مويسي، الذي كان والده في أوشفتز، يحذر الإسرائيليين من تغيرات آسيا، و«استعراب» مسلمي الهند. لكن الواضح أن مريض المنطقة مصاب بمرض يتغير اسمه من وقت إلى آخر، من شارون إلى نتنياهو. وكم كان أحرى بالإسرائيليين ألا يذهبوا إلى صناديق الاقتراع.