«فتوات الحسينية» وصبيان المقهى الحديث!

TT

هناك فيلم مصري قديم بعنوان «فتوات الحسينية»، يظهر فيه محمود المليجي وفريد شوقي يتعاركان في الشارع، بينما ينشغل صبي مقهى الحارة باستبدال صورة الفتوة المعلقة في صدر المقهى، بحسب نتائج العراك الدائر، ولما كانت نتائج المعركة متغيرة، إذ حينا ينتصر المليجي، وحينا آخر ينتصر فريد شوقي، الأمر الذي فرض على صبي المقهى أن يبدل الصورة عدة مرات!

جل المثقفين والفنانين والسياسيين في مصر اتخذوا قرارهم بالانحياز إلى حركة الشباب في ميدان التحرير، أو التخندق في خندق الرئيس واحترام تاريخه، وكلا الموقفين قابل للتفهم، لكن ما يستعصى على الفهم موقف شريحة محدودة جدا، وهو موقف يشبه إلى حد كبير موقف صبي المقهى في فيلم «فتوات الحسينية»، إذ تأرجحت مواقفهم وتصريحاتهم بحسب قراءتهم لنتائج الحراك الدائر بين الحكومة والمتظاهرين، وهذه الشريحة تتسم بمنظومة من الصفات أبرزها الانتهازية، والنفعية، والافتقار إلى المبادئ، والقيم، والأخلاقيات، فهم أصدقاء الغالب، أو بعبارة أخرى أصدقاء الكرسي، بصرف النظر عن الجالس عليه، وهم أول من ينفض عنه عند حدوث العاصفة. وقد أدرك الكاتب الساخر «برنارد شو» طبيعة أصدقاء الكرسي في رسالة بعث بها إلى صديقه «ونستون تشرشل»، حينما بعث إليه ببطاقتي دعوة لحضور إحدى مسرحياته، وأشار إلى أن إحداهما له، والثانية لصديقه إن كان له صديق، وكان تشرشل يومها قد غادر لتوه كرسي رئاسة الوزراء، وانفض عنه أصدقاء الكرسي ليواجه حقيقته كإنسان وسط المنصفين.

ولو أسقطنا هذه الشريحة المحدودة المتأرجحة باعتبارها من سقط البشر، وسقط المتاع، يمكن القول إن غالبية المصريين قد أظهروا في مواجهة الأحداث، على الرغم من تباين مواقفهم - وهذا أمر طبيعي - أنهم شعب راق وواع، ويتوارث في لا شعوره الجمعي قيما حضارية أصيلة، فلقد خلت - في الغالب - لغة شباب 25 يناير من مفردات العنف والثأر، كما أن الذين يختلفون معهم من المثقفين يبادلونهم لغة لا تخلو من الإنصاف، إذا ما أسقطنا هجمة «العربجية» أصحاب الجمال والخيول.

وليحفظ الله مصر والمصريين.

[email protected]