المشي رياضة المشغولين!

TT

عندما كان الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش (الأب) يزور الكويت في رحلة عمل، فوجئ موظفو الأمن بنزول الرئيس إلى بهو الفندق، في الصباح الباكر، حيث طلب منهم أن يدلوه على أقرب حديقة ليمارس فيها الرياضة الصباحية! أحد المرافقين الأمنيين قال لي إنهم أسقط في أيديهم لأنه ليس هناك من حديقة مناسبة قريبة من الفندق، وبينما هم في ربكة طلب الرئيس اقترح أحدهم أن يصطحبوه إلى شارع الخليج العربي. وما أن وصلوا حتى انطلق الرئيس، الثمانيني، يهرول على ساحل البحر بكل همة ونشاط، فاضطر الحراس إلى الهرولة بمحاذاته حتى «أصيبوا بإعياء شديد» حسب قول المرافق، لأنهم لم يعتادوا على هذا من قبل!

أن تكون في رحلة عمل أو غارقا حتى أذنيك في مشاغلك لا يعني أن تهجر الرياضة، وأضعف الإيمان للموظفين المشغولين أن يمارسوا «رياضة المشي» التي كان يمارسها يوميا الأديب العربي الراحل، نجيب محفوظ، ذهابا وإيابا من بيته إلى مقر عمله. وربما لم يعلم أديبنا، الحائز على جائزة نوبل في الأدب، أن ممارسة رياضة المشي لمدة نصف ساعة يوميا «تساعد في تقليل ضغط الدم الشرياني إلى حدوده الطبيعية» بحسب دراسة لجامعة إلينوي الأميركية. وأظهرت دراسة أخرى أن المواظبة على المشي تخفف من الضغوطات النفسية.

ويمتاز المشي بأنه هواية لا تحتاج إلى مهارات خاصة أو تمارين مسبقة، ويمكن دمجه في أنشطة الحياة اليومية. وأذكر أن رئيس شركة كويتية دعاني لنشاط المشي الدوري الذي يقيمه مع الموظفين في عطلة نهاية الأسبوع حيث قطعنا جميعنا نحو 4 كيلومترات وهو ما يقول المختصون إنه يحرق نحو 200 إلى 250 سعرة حرارية تقريبا من جسم الإنسان، أي ما يعادل شطيرة هامبورجر صغيرة بالجبنة من أحد مطاعم الوجبات السريعة!

وينصح اختصاصي التغذية العلاجية الدكتور عبد الله المطوع بالمشي السريع (مثل هرولة الرئيس بوش) لأنه يرفع كمية السعرات الحرارية المحروقة. وقد قال ابن القيم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا مشى تكفأ تكفؤا، وكان أسرع الناس مشية وأحسنها وأسكنها».

ويرى الدكتور المطوع، صاحب البرنامج الشهير بقناة الرأي، في اتصال هاتفي أجريته معه، أن المشغولين من الناس يفضل أن ينوعوا سرعة الرياضة لأن ذلك يحرق سعرات حرارية أكبر من السرعة الثابتة. وهذا النوع من التدريب يسمى Interval Training.

والمشي رياضة يمكن أن نوطد من خلالها علاقاتنا، ولذا يقول الأميركيون Let’s Walk and Talk، فبدلا من أي يمكث موظفان في غرفة مغلقة ساعة كاملة، يمكنهم المشي قليلا لتحريك الدورة الدموية، إذ اتضح أن ذلك «ينشط عمل القلب والرئتين فتصل كميات كبيرة من الأكسجين لدماغنا فتشعرنا بالراحة والاسترخاء وتجدد خلايا الجسم» بحسب الدكتور المطوع. مضيفا أن «المشي أو الهرولة يمكن أن ترفع الإنتاجية والنشاط الذهني وسرعة البديهة، وتمنع الشعور بالتعب في اليوم التالي إن مارسناها لمدة ساعة، وهو بخلاف الشائع بين الناس من أن الرياضة ترهقنا».

كما أن المشي منفردا يساعد على التفكير العميق والتأمل والتخطيط الذهني. وهو لحسن الحظ رياضة تكاد تخلو من الإصابات.

وهناك حلول عملية لممارسة المشي، منها تحويلها إلى عادة مثل: التعود على إيقاف السيارة بعيدا، أو استخدام السلالم، أو الخروج من المكتب كل ساعة. ولو أن أحدا اعتاد المشي إلى مسجده 5 مرات يوميا، واستغرقت مدة ذهابه وإيابه 10 دقائق فقط، فإنه سيمضي نحو 50 دقيقة سيرا على الأقدام يوميا، وأيا كانت مشاغلنا لا بد أن نقدس الوقت الذي نمارس فيه الرياضة، وأقلها المشي، لأنه استثمار رابح، وهو الحد الأدنى للأسباب التي يمكن الأخذ بها نحو صحة جيدة، تخفف علينا وطأة ضغوطات الحياة، وتجدد نشاطنا وهمتنا لمزيد من العطاء والتألق والإنجاز.

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]