احتمالات النهاية في القاهرة

TT

في أعقاب موجات المظاهرات، وانهيار الأمن المصري، ودخول الجيش العاصمة، غلب الاعتقاد بأن الرئيس حسني مبارك في طريقه إلى الرحيل برغبته أو بانقلاب. لكن بقي مبارك يمارس حياته الوظيفية بشكل ما، رغم أن ملامح الأزمة تبدو على وجهه بشكل جلي. ولا شك أنه رجل صاحب بأس شديد، فالمعلومات القديمة تحدثت عن إصابته بسرطان البروستات، وهو ما أكده المستشفى الألماني عندما قال إنه مستعد لاستقباله لاستكمال علاجه دون أن يسمي مرضه.

أثبت أنه رجل صعب لا ينحني بسهولة، وهو ما راهن عليه عارفوه منذ ساعة الصدام الأولى، قائلين: لن يتنحى الرجل هكذا، مبارك ليس بن علي، متمسك بإكمال مدته. المتظاهرون مصرون أيضا بعناد مماثل على رحيله. الآخرون منقسمون، فالجيش ظل طيعا وصامتا، والمؤسسة الرسمية استمرت تدافع عن الرئيس وتفاوض قيادات المعارضة، وصعّد الأميركيون لهجتهم مستعجلين إسقاط مبارك، مرددين عليه أن يرحل فورا، وأن يوقف نظام الطوارئ حالا. ربما هم في قلق أن تتعقد الأمور أكثر وتخرج عن السيطرة وتصبح البلاد في فوضى أو تحت قيادة معادية. لكن مصر دولة تميزت على الدوام بالاستقرار، على مدى مائتي عام ومنذ محمد علي إلى اليوم لم تمر بفراغ سياسي ولا انهيار للنظام، حتى مع خروج الأتراك، ثم خروج الإنجليز، وحتى بعد سقوط الملكية وقيام ثورة الجمهورية، مرت جميعها بتواصل عجيب بلا انقطاع، بخلاف دول دمرت وانهارت في التغييرات مثل العراق والصومال وأفغانستان وغيرها.

هناك الكثير يمكن ملاحظته في الحدث المصري المهم، فنحن أمام تظاهرة مختلفة، الوحيدة التي لم نر فيها - بعدُ - حرق أعلام أميركية أو إسرائيلية أو صيحات تكبير دينية. قصة داخلية موضوعها الوحيد الحكم في مصر الذي يعني الكثير للمصريين أولا، ودول المنطقة ثانيا، والقوى الدولية بالتأكيد.

في الداخل معركة ذات زوايا متعددة؛ الرئاسة والمتظاهرون والجيش. الرئاسة معروفة مواقفها، أما المتظاهرون فهم قوى يجمعهم ميدان التحرير وهدف إسقاط مبارك ويختلفون على ما بعد ذلك.

المقلق جدا أن دراما الأزمة طالت فعمقت الخلاف ربما لأنها انتفاضة شعبية، ففي حالات الانقلاب العسكري الدستور والدولة هو القائد الانقلابي، وفي الثورات عادة يوجد زعيم أو قيادة أيضا يقرر كما فعل آية الله الخميني في ثورة إيران، وهكذا. أما في الحالة التونسية والمصرية فإننا أمام فرقاء اندفعوا نحو قلب العاصمة وقرروا إسقاط النظام أو إقصاء الرئيس.

الوقت يمضي ولعبة الوقت هنا ليست في صالح أي من الجانبين، رغم أن كثيرين يعتقدون أنها جزء من التكتيك الحكومي لإرهاق المعارضة وتقليص مكاسبهم. فقد تخرج الأمور عن السيطرة وتقع مواجهات دامية بين المتظاهرين والعسكر ويقتل فيها الكثيرون، هنا سيزداد الوضع تعقيدا، وتخسر الحكومة كل آمالها في مخرج كريم، كما كاد يحدث في موقعة الجمل الشهيرة في ميدان التحرير. ومن الاحتمالات الواردة أيضا أن التعطيل والتطويل سيلحق خسائر هائلة في قطاعات مرتبطة بمعيشة المواطنين مثل السياحة والصناعة والخدمات مما يوسع دائرة المواجهات المتضادة، قد تدفع الجيش لإعلان الأحكام العسكرية وقيادة البلاد باسم حمايتها من الانهيار. وأسوأ من ذلك أن يبقى الجيش متفرجا على الاضطرابات، رافضا أن يكون طرفا، فتتسع دائرة الصدامات وتدخل البلاد في دوامة فوضى خطيرة. إذن الوقت ليس في صالح أحد، والأفضل أن يقبل الجانبان الحلول المعقولة التي تؤدي إلى التغيير بأقل قدر من الضرر.

[email protected]