هل ستنجح ثورة مصر؟

TT

قبل ستين عاما، كدر الساحة السياسية داخل الولايات المتحدة اتهام صيغ في صورة سؤال: «من خسر الصين؟» وكان الاتهام الضمني أن أميركا ضيعت شيئا كانت تملكه لضعف الكفاءة أو بتواطؤ شرير.

وفي عام 1949، عندما وصل الشيوعيون إلى سدة الحكم هناك، كانت أميركا في نصفي الكرة الأرضية ومرهقة من الحرب. وحسب أميركيون أن دولتهم تقود العالم وأنه بغض النظر عما يحدث، وفي أي مكان كان، فإنه بدافع من أميركا، أو أنها على الأقل سمحت بذلك على مضض، أو أنه دليل على إهمال أميركي.

ومما يشير إلى نضج وطني - ثمرة تجارب غير سعيدة من كوريا إلى فيتنام وصولا إلى العراق وأفغانستان - قل عدد الأميركيين المتذمرين اليوم ممن يحملون إدارة أوباما الخطأ لعدم توقع أو صياغة الأحداث داخل مصر، بل إن إسرائيل، التي تعيش إلى جوار مصر ولديها جهاز استخبارات متميز، لم ترَ ذلك يقترب. ولذا أقدم مقترحا متواضعا:

هؤلاء الأميركيون الذين يعرفون الجمهوري الفائز بالانتخابات الحزبية داخل ولاية أيوا العام المقبل يمكنهم أن يشتكوا من هؤلاء الذين لم يعرفوا أنه عندما أضرم بائع متجول تونسي النيران في نفسه فإنه أشعل النيران في منطقة برمتها. وسيكون الصبر تصرفا لائقا من كل الأميركيين الآخرين.

وسيكون ذلك مدهشا أيضا؛ لأنه توجد مجموعة من منتقدي باراك أوباما الذين لا يقنعون بمتابعة أخطائه في السياسات الداخلية ويصرون على أنه لا بد من علاقة بين هذه وسياسته الخارجية. ومن الغريب أن هؤلاء المنتقدين، الذين يشكون في مدى ملاءمة وقدرة الحكومة الأميركية فيما يتعلق بضبط مجتمعنا المعقد، يحملون الحكومة خطأ عدم التحلي بالكفاءة فيما يتعلق بصياغة مصائر مجتمعات أخرى. ويصر هؤلاء المنتقدون لأنه، كما كتب إبتون سينكلير عام 1935: «من الصعب جعل رجل يفهم شيئا عندما يعتمد مرتبه على عدم فهمه له».

لدى أميركا عنصر تأثير على الأحداث داخل مصر - وهو العلاقات القوية بين القيادة العسكرية داخل الدولة والقيادة العسكرية الأميركية، ومن بينها الاعتماد المادي لمصر على المساعدات الأميركية. لكن القول إن الجيش المصري هو المؤسسة الأكثر إثارة للإعجاب ثناء واهٍ.

هل يمكن للجنود المصريين تغيير أي شيء داخل الزوبعة؟ وينسى بدرجة كبيرة أنه عندما بدأ ميخائيل غورباتشوف يفكر في الإصلاح داخل الاتحاد السوفياتي - قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة - لم يكن يتخيل سوى شيوعية أكثر كفاءة تديرها حكومة الحزب الواحد. وفي الوقت الحالي العاطفة المتبقية عنه تطغى على حقيقة أن التعديد، الحقيقة المعتمدة على تعددية حزبية، لم تكن في خططه الأصلية. وبعد مرور عقدين، فإنها ليست في المستقبل المنظور داخل روسيا.

وإذا أجريت انتخابات داخل مصر قريبا، سيكون هناك دافع لأميركا كي تحاول التأثير عليها. وقد قامت بذلك بنجاح في إيطاليا عام 1948 عندما كان هناك خطر كبير يتمثل في احتمالية فوز شيوعيين. ولكن كان حينها داخل إيطاليا، على عكس الحال في مصر اليوم، جانبان واضحان، فالحرب الباردة كانت تتشكل، وكان هناك تقليد برلماني أكثر حداثة ونشاطا، ويضم أحزابا سياسية، أكثر مما هو الحال داخل مصر.

في المنحة الوطنية للديمقراطية، وأشياء أخرى، لدى الولايات المتحدة القدرة على التحلي بقدر كبير من الموهبة لمساعدة مصر على اعتماد بنية تحتية لحكومة نيابية، لكن يجب القيام بهذا بعناية شديدة؛ لأن النظام المصري يهزه بالأساس وطنيون.

من بين الجوانب المشجعة في المظاهرات المصرية التلويح على نطاق واسع بالعلم الوطني، في الوقت الذي يميل فيه المفكرون الغربيون، الذين يميلون إلى الكونية، إلى ازدراء الدولة القومية والقومية كمظهر للخيال البشري باعتبارها أمورا ينبغي تجاوزها. لكن الحشود تقدم دليلا على تطلعات الشعب المصري الشاب ديموغرافيا وصاحب الجذور الثقافية العميقة في الوقت ذاته. وقد تسهم المساعدة الأميركية الفجة في التحول نحو الدمقرطة نوعا من الانتكاسة لدى الجمهور الشغوف لأن يكون فخورا بتحقيق نتيجة مصرية.

والسؤال هو: «ماذا سيحدث بعد ما سيأتي فيما بعد؟ في مارس (آذار) 2003 تحدث الجنرال ديفيد بترايوس، إلى ريك أتكينسون، الصحافي بـ(واشنطن بوست)، أثناء تقدم القوات الأميركية باتجاه بغداد، بخمس كلمات لا تزال أصداؤها تتردد حتى الآن عندما قال: (إلى أين سينتهي هذا كله؟»).

بعد ذلك تحدث بترايوس بأربع كلمات لا تذكر عندما قال: «ثماني سنوات وثمانية انقسامات» وشرح أتكينسون ذلك بالقول: «كان المقصد الإشارة إلى النصيحة التي أسديت إلى البيت الأبيض في بداية الخمسينات من قبل استراتيجي عسكري بارز عندما سُئل عما يتطلبه الأمر لدعم القوات الفرنسية في فيتنام الجنوبية».

ما زلنا غير مدركين للصورة التي ستنتهي بها العملية التي بدأت بالتدخل الأميركي في العراق، أو فيما يتعلق بهذا الأمر، كيف سنشهد نهاية لهذا الاضطراب التاريخي الكبير؟ يجب أن يكون المصريون في مصر هم من يقولون لنا كيف سينتهي الأمر.

* خدمة «واشنطن بوست»