الاحتمال الثالث

TT

منذ انتقلت عدوى الانتفاضة الشعبية على الحكم الأوتوقراطي من تونس إلى مصر والمحللون السياسيون محتارون في توقعاتهم للساحة العربية الثالثة للانتفاضة المقبلة.

على خلفية أحداث تونس ومصر، تبدو انتفاضة شعوب الأنظمة الشمولية العربية مسألة وقت أكثر مما هي مسألة احتمال. مع ذلك قد لا تكون الدولة الثالثة المرشحة لاختبار انتفاضة حرية داخلية دولة عربية بالضرورة، بل إسرائيل في وقت تتحول فيه انتفاضتا تونس ومصر إلى تحد جديد لسؤال كبير تواجهه إسرائيل هو: إلى متى تستطيع إطالة احتلالها للأراضي الفلسطينية؟

بالنسبة لشعب كالشعب الفلسطيني، اختبر الانتفاضات بأقسى أشكالها، أعادت أحداث تونس ومصر تأكيد طاقة الشارع العربي على تغيير الواقع السياسي في بلده. ولا جدال بأن تداعيات الانتفاضتين أكثر تأثيرا على فلسطينيي الاحتلال الإسرائيلي مما توقعه الكثير من المنظرين. والبوادر الأولية لتوقع إسرائيل أن تطالها هذه المؤثرات تظهر من تخوف رئيس الحكومة الإسرائيلية من احتمال «استغلال» العملية الديمقراطية في مصر من قبل «قوى متطرفة» للسيطرة على الحكم وتنفيذ أجندة مناهضة للديمقراطية «كما حصل في إيران وغيرها» - و«غيرها» هنا تعني قطاع غزة.

تخويف نتنياهو العالم الغربي من احتمال تحول العملية الديمقراطية في مصر إلى مطية «للمتطرفين» يبدو، ظاهريا، محاولة علنية لتأليبه على الانتفاضة المصرية. ولكن التخويف لا يخفي قلق نتنياهو على ما قد تواجهه إسرائيل من انتصارها - أي تجدد انتفاضة الشارع الفلسطيني، ولكن بأساليب سلمية هذه المرة. وقد يكون المكسب الأبرز من انتفاضة «شبابية» في الشارع الفلسطيني أن يصادر «الشباب» زمام المبادرة في التسوية السلمية من السلطة الفلسطينية وحماس معا، واستطرادا أن تحظى مقاربتهم السلمية لمناهضة الاحتلال الإسرائيلي بعطف غربي مشابه للعطف الذي نالته انتفاضتا تونس ومصر.

للمرة الثانية في تاريخ العلاقات الإسرائيلية - المصرية تستقطب أحداث مصر الداخلية أقصى اهتمام المؤسستين السياسية والأمنية في إسرائيل وتطغى على أولوياتهما.

المرة الأولى كانت عام 1981، في أعقاب اغتيال الرئيس المصري السابق، أنور السادات، «بسبب» تفرده في التوقيع على اتفاقية «كامب ديفيد».

آنذاك، كما الآن، رفض اليمين الإسرائيلي الاعتراف بأن طريق السلام المستديم مع العالمين العربي والإسلامي يمر بفلسطين أولا، والقدس الشرقية تحديدا.

ومنذ ذلك التاريخ وحكومات إسرائيل اليمينية - الشوفينية «تتلطى» وراء اتفاقية «كامب ديفيد» لمواصلة احتلالها للأراضي الفلسطينية وتجاهل لب النزاع في الشرق الأوسط، أي القضية الفلسطينية، ما يؤكد أن تفضيل إسرائيل، منذ اتفاقية «كامب ديفيد»، استراتيجية «تحييد» أقوى دولة عربية عن النزاع الشرق أوسطي على أولوية حل المشكلة الأساسية، أي القضية الفلسطينية، يعني أن إسرائيل لا تبغي «سلاما» في الشرق الأوسط بل «أمنا» لحدودها الخارجية.

ربما كان تفجير أنبوب الغاز المصري المصدر إلى إسرائيل - مؤشرا أوليا على أن «السلام البارد» مع مصر مرشح لأن يزداد برودة في عهد ما بعد حسني مبارك. إلا أن اللافت في هذا السياق أن هاجس حكومة الليكود لا يزال مصير اتفاقية «كامب ديفيد» (ورئيسها، بنيامين نتنياهو، كان واضحا في مطالبة أي حكومة ترث نظام حسني مبارك المحافظة على «مكاسب» الاتفاقية).

ولكن الاحتمال الذي لم يعد لإسرائيل مفر من مواجهته هو: ماذا ستنفعها اتفاقية «كامب ديفيد» إذا قرر الشارع الفلسطيني أن ينتفض سلميا، على غرار ما حدث في تونس ويحدث حاليا في مصر؟ وبالتالي كيف ستتصرف إسرائيل حيال انتفاضة كهذه؟

بعد أن أعطى الجيشان التونسي والمصري أمثولتين تاريخيتين في أخلاقيات التعامل الديمقراطي مع المظاهرات السلمية، هل تستطيع إسرائيل - الدولة الديمقراطية «المثال» بنظر العالم الغربي - أن تتصدى بالحديد والنار، في عهد تكنولوجية الحدث المرئي والمعمم عالميا، لانتفاضة سلمية لشعب لم يعد يحتمل أن يظل آخر شعب مستعمر في العالم؟