كيف أحمل أمي ووزنها 80 كيلو؟

TT

حدثني شيخ من الذين يفتون في منى للأفراد في موسم الحج الماضي قائلا:

أتاني شاب وعلى وجهه سيماء الحيرة يستفتيني في والدته التي تصر على أن يحملها على ظهره لكي ترمي الجمار، فقلت له: إنك لو فعلت ذلك فستنال أجرا عظيما، وقد سبقك في ذلك الصحابي الجليل الذي أتى من اليمن محججا أمه على ظهره على الرغم من مشقة العناء، وليس هناك قدوة صالحة أكثر من أن نقتدي بالصحابة.

قال: الصحابة على رأسي وعلى عيني، ولكنني لا أستطيع أن أفعل ذلك حتى لو أردت؛ لأن أمي وزنها يزيد على (80) كيلو، ووزني أنا يقل عن (70) كيلو. قلت له: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، إذن عليك يا ابني أن تحضر لها كرسيا متحركا وتدفعها عليه. قال: هذا ما فعلته، غير أنها رفضت ذلك رفضا قاطعا، خصوصا عندما شاهدت شابا في حملتنا جسمه يشبه أجسام المصارعين (طول وعرض) وهو يحمل والدته (الكركوبة) على ظهره وكأنه يحمل دجاجة، وذلك من فرط نحافتها وخفتها، فأرادت هي أن تقلدها، ومشكلة والدتي الأزلية هي الغيرة العمياء التي ليست لها حدود.

قلت له: حاول أن تقنعها بالحسنى، قال: أي حسنى أنت تتكلم عنها يا شيخ، فوالدتي قد أصابها (الخرف)؟ قلت له بعد أن ضاق صدري: عليك إذن أن تتكل على الله وتحملها. قال: إنني لو فعلت ذلك لن أستطيع أن أسير بها ولا حتى ثلاث خطوات، هذا إذا لم ينكسر ظهري.

فقلت له متهكما وقد بدأت أنفعل: إذن ماذا تريد مني؟ هل تريدني أن أساعدك على حملها؟! وفوجئت من رده (البايخ) عندما قال لي: يا ليت.. عندها لم أملك إلا أن أصرفه قائلا: ليس هنا من هو أخرف من أمك إلا أنت.. وانتهت الفتوى بما يشبه الملاسنة بيننا، خصوصا أنه اتهمني أنني أهنته وأهنت والدته.

* *

في بلاد (الفرنجة) مات قاضٍ مشهور بحكمته وعدله حتى أحبه الناس حبا جما، فأرسل مريدوه والمعجبون به باقات كثيرة من الأزهار وضعت حول نعشه، وجاء زنجي طاعن بالسن ليحيي القاضي تحية الوداع الأخير، فلقيه ابن القاضي وقال له: انظر يا عم إلى هذه الأزهار الكثيرة التي بعث بها أصدقاء أبي.

فقال له الزنجي: قضى أبوك أيام حياته يبذر البذور، التي أنبتت كل هذه الأزهار.

* *

لو سألتموني: ما أكثر شيء تكرهه في هذه الحياة؟ لقلت لكم: هو مطاردة النساء بالنظرات أو التعرض لهن بالكلمات، ومن مصادفات حظي العاثر أنني كنت أجلس يوما في بهو أحد الفنادق، فأتى شاب أعرفه، وهو على مقدار لا بأس به من الخلاعة، وجلس بجانبي، ولم تمر أمامنا امرأة إلا وتعرض لها بكلمات أقلها: كيف الحال؟ وغضب من امرأة حسناء لم ترد عليه وإنما توقفت وحدجته بنظرة باردة وقاسية، وكأنها تقول له: اخرس.

فأراد أن يهينها عندما قال لها: آسف يا سيدتي لقد ظننتك أمي.

وكان ردها السريع الحاسم الذي أعجبني عندما قالت: هذا مستحيل لأنني متزوجة.

كدت أقف وألحق بها وأشد على يدها قائلا: شكرا لك على ردك القاطع كحد السيف.

عندها قلت لذلك (الرقيع): قم، ليس لك مكان عندي................. (الخلا).

[email protected]