وتغيرت الدنيا إلى أسوأ!

TT

جاء في أول سطر في الصفحة الأولى من أول عدد من جريدة الأهرام والذي صدر في الإسكندرية يوم 25 أغسطس (آب) سنة 1876:

هذا هو العدد الأول من السنة الأولى لجريدة الأهرام المرعية بعناية الحكومة السنية والمستعدة الاستعداد التام لأن تجعل من يتصفح صفائحها واثقا بما يطالعه، لأنها تعاني في البحث لتقف على الفوائد الصحيحة، فتوفي بحقوق الجرائد وتكسب قبول الجمهور، والاستقبال شاهد.. يعني أن الصحيفة قد تعبت لكي تكون موضع ثقة القارئ.. وهي أصعب مهمة صحفية. أي أن الذي تكتبه قد تحققت منه.. وبذلك تكون مفيدة للقارئ.

والآن، ماذا حدث للصحافة في مصر؟

حصلت على حريتها على الآخر.. أي تقول أي شيء في أي شيء عن أي شيء. وأي شخص ابتداء من رئيس الجمهورية إلى العسكري الواقف على الباب الخارجي للرئاسة.

ولذلك، أصبحت الصحافة في مصر مع الأسف الشديد: فاضحة ومفتوحة. وفي غاية القسوة على الناس وعلى مصر. وأكثر من ذلك أنها في غاية القسوة على نفسها. فهي لم تكن كذلك في أي وقت. ففي أيام الملك، كانت الخناقات بين الأحزاب. وهذا طبيعي. واتجهت كل أسلحة الكاريكاتير إلى الوزراء: أبو كرش والطويل والقصير وأبو أنف كبير وأبو عيون جريئة؟ وبس!

وأحيانا كثيرة تهاجم القصر. ولكن من بعيد جدا!

أما الآن، فلم يعد هناك بعيد أو قريب وإنما شعب من أوله لآخره عريان في بيوت من زجاج. واستسلم الشعب لطعم البذاءة والسفالة والصور والنكت واعتاد ذلك. ووقعت الصحيفة في المصيدة: فهي لا تنشر إلا الذي له طعم الفضيحة، ولذلك لن يقرأها الناس إلا إذا كانت كذلك. حتى تفضح والقارئ سعيد. وكلما برعت الصحف في تعرية كل شيء كانت سعادة القارئ. صحيح أن الصحف نجحت في اصطياد كثير من المجرمين ومن لصوص المال العام وأرض الدولة. لا شك في ذلك. ولكن ليس العيب أنها كشفت وفضحت، ولكن العيب هو الأسلوب والأسلوب والأسلوب.. فنحن جميعا نعرف كل البذاءات كلها ولا نقولها علنا. الصحافة حرة. لا شك. ولكن حريتها قد دفعتها إلى تجاوز كل حدود الأخلاق.. ولم يعد أحد يثق بالذي تقوله الصحف. مع أن الكثير صحيح. ولكن العبارة والألفاظ. فبدلا من أن تقول: إن فلانا هذا لص وقد سرق وأعطى على الرغم من تهريب الفلوس.. فإنها تقول يا ابن الـ.. يا ابن اللي أبوك وأمك وأهلك..

صحيح الصحافة حرة. ولكنهم مسحوا بالحرية بلاط صاحبة الجلالة.. ولم يعد مهما هذا الاحتراس والتحفظ الذي أشارت إليه صحيفة الأهرام في أول سطر في أول صفحة في أول يوم!