نافذة على الحياة قبل 4000 سنة

TT

استمتعت بقراءة دراسة عن الحياة الاجتماعية والعاطفية في عصور الفراعنة قبل آلاف الأعوام، وقد كتبها (محمد طاحون)، المتوفى في أواسط العشرينات من القرن الماضي، وهو بالمناسبة من أبرع وأعظم من ترجم اللغة (الهيروغليفية) وجاء فيها:

شغف المصريون منذ أقدم عصورهم بالرقص والموسيقى ولم يروا في ممارستهما غضاضة. فكان النبلاء يدعون الراقصات والموسيقيين إلى حفلاتهم ليطربوا ضيوفهم ويدخلوا السرور إلى قلوبهم.

وتظهر الرسومات الفتيات حاملات جرار النبيذ والجعة، ومطوقات رقابهن وخصورهن بباقات الزهور، وهن يتمايلن أمام العازفات، والمصفقات بأيدهن تبعاً للنغمات الموسيقية وينشدن مثل هذه الأغنية ثناء على فصل الفيضان:

«حمداً لك أيها النيل يا من أتيت من الأرض وإليها تعود / كيما تغذي أهل مصر وتروي جميع أراضيهم.

فذلك الغيث الذي يهمى عليها ما هو إلاّ من الإله / ثم يعود إليك يا سيد الأسماك / ويا مرتع الطيور المائية / ويا منبت الشعير والقمح / ويا من يجعل المعابد تزهو بأيام الأعياد».

ويورد مقطوعة شعرية نظمتها فتاة يبدو لي أنها كانت غرقانة في بحر من الغرام، وتقول فيها مخاطبة معشوقها:

«إن قلبي لسعيد بما تكنه لي من الحب / حتى أن شعري قد سقط نصفه الأمامي على جبيني / وأنا ذاهبة أعدو نحوك لكي ألقاك / ولكن ليس يهمني ترتيب شعري ما دمت أنت بجانبي / وسأرتدي ثيابي المطرزة / لكي أكون مستعدة أمامك في كل حين».

وهذه محاورة شعرية بين فتى وفتاة، ويبدأ هو قائلاً:

«سأرقد في فراشي والزم غرفتي / لأنني مريض حقاً مما جشمت به نفسي ظلماً وعدواناً من شدة الحب / وسوف يجيء الجيران يعودونني / ولكن لو أتيح لك يا حبيبتي أن تجيئين معهم / لجعلت أطبائي يشعرون بالخجل / فأنت وحدك تعرفين سر سقمي».

فترد عليه الفتاة قائلة:

«يا حبيبي الجميل ان مناي أن أعيش معك زوجة لك / حتى تضع ذراعك فوق ذراعي / ولك أن تتربص كيفما تشاء / ولي أنا أن أبث لواعج قلبي الذي سلبته الأماني / إن لم ألاقيك يا حبيبي العظيم في هذه الليلة فأنا ومن في القبور سواء».

وأختم هذه المقالة العاطفية بنصيحة كتب أبياتها شاعر فرعوني لا أستبعد تماماً أنه عاش حياته بالطول والعرض، وطرب نفسه، ومات قرير العين جذلانا، ويقول في نصيحته الشعرية:

«احتفل بيوم الطرب / واستنشق الطيب والروائح الجميلة

وضع زهور اللوتس فوق جسمك / وكذلك على صدر حبيبتك التي تسكن فؤادك

وهي جالسة بجانبك / وتمتع بالالحان والغناء

وانبذ الهموم ولا تفكر إلا في السرور / حتى يجيء ذلك اليوم الذي يقودنا

إلى تلك الأرض النائية التي من دأبها السكون الرهيب»

هل تصدقون أنني بعد أن قرأت نصيحته هذه، قررت أن آخذ بها و(ايش ما يكون يكون)، فالحياة لا نعيشها للأسف إلاّ مرّة واحدة.

صحيح أن بعض المعطيات التي ذكرها ليست متوفرة عندي، ولكن هذا لا يمنع من أن أسير على منواله، وأعاهدكم أنني لن أكون مؤذياً لأي أحد، على شرط أن يتركني الجميع في حال سبيلي.

[email protected]