الخطوة التالية.. انتخابات موثوق بها

TT

حتى في هذه اللحظة، بعد الإعلان الدرامي للقوات المسلحة، لا يزال الجميع عاجزين عن التنبؤ بالنتيجة النهائية التي ستتمخض عنها الدراما المصرية، لكن هناك صورة جلية عن الموقف القائم والخيارات القليلة الواضحة بخصوص المستقبل.

يرغب غالبية المصريين في وضع نهاية للاضطرابات العامة واستعادة الحقوق الإنسانية الأساسية والنقل السلمي للسلطة لحكومة تحمل طابعا تمثيليا أكبر.

والواضح أن كلا الجانبين يقبل، على الصعيد المعلن على الأقل، بأفكار تدور حول إجراء بعض التعديلات الدستورية وتخفيف حدة القمع الحكومي وإقرار نظام انتخابي أكثر تنافسية للاستعداد لاختيار القادة السياسيين المستقبليين لمصر.

ولا تزال هناك إصلاحات أخرى مطلوبة، وينبغي التفاوض بشأنها بين الحكومة التي عينها الرئيس حسني مبارك وزعماء المعارضة. ويجب تحديد موعد معقول لعقد الانتخابات، وتعديل الدستور إذا لزم الأمر، وتشكيل لجنة مستقلة للإشراف على العملية. وينبغي توفير مساحة جديدة من الحرية لوسائل الإعلام الإخبارية والسماح بالتجمعات العامة السلمية وكذلك تكوين أحزاب معارضة.

قبل قبول هذه المقترحات الإصلاحية المحددة وتنفيذها، يجب أن تتم تسوية بعض القضايا التي تحمل طابعا عاما أكبر. والتساؤل الذي يفرض نفسه الآن: هل ستلقى المطالب الأساسية للأصوات المتعارضة فيما يخص الحرية والديمقراطية قبولا؟

كانت هناك مؤشرات تصدر، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، عن الرئيس مبارك حول أن أي تعديلات في الدستور ستكون محدودة، وأنه من السابق لأوانه رفع حالة الطوارئ التي فرضت قيودا على حرية التجمع والتعبير عن الآراء طوال 30 عاما، وأن المصريين غير مهيئين ثقافيا للديمقراطية وأن مثل هذه المقترحات تأتي «من الخارج»، وأن المظاهرات المشتعلة في ميدان التحرير ومناطق أخرى سيسمح بها لفترة محدودة.

والتساؤل الآن: ما الذي يمكن فعله؟ المؤكد أن للمجتمع الدولي مصالح كبرى في ضمان أن يتم انتقال مصر نحو نظام جديد على نحو منظم وسلمي، وأن تمثل الحكومة الجديدة إرادة الشعب المصري، وأن تتميز بالديمقراطية والعلمانية والشفافية وأن تظل على سلام مع جيرانها وأن تكبح جماح الفساد. من المهم للغاية، على سبيل المثال، الالتزام باتفاقية السلام التي أبرمتها مصر عام 1979 مع إسرائيل، وأن تبقى المؤسسة العسكرية قوية، لكن مع اتخاذها خطوة كبرى باتجاه الابتعاد عن الهيمنة على الحكومة.

وسعيا لتهدئة المخاوف المشروعة بشأن إنجاز الوعود السياسية التي تسمح بإجراء انتخابات نزيهة وعادلة، مع ضرورة السماح لمراقبين محليين ودوليين بمراقبة العملية برمتها. الملاحظ أن السنوات الأخيرة شهدت تغييرات كبرى على صعيد قبول المشاركة الدولية في مثل هذه الفترات السياسية الوطنية الانتقالية، خاصة في الدول التي تحاول التغلب على إرث من الحكم الاستبدادي أو التعافي من حرب أهلية.

من جهته، نشط «مركز كارتر» في مراقبة 82 عملية انتخاب في مناطق تمر بفترات اضطراب أو انتقال، بينها العملية السياسية التي أسهمت في تحقيق تحول سلمي في إندونيسيا، أكبر دولة مسلمة، بعد حكم استبدادي طويل إلى نظام ديمقراطي حقيقي. وستمثل مصر اختبارا مهما لهذا التوجه الذي سبق تجريبه، لكن لا يمكنها المضي قدما في هذا الاتجاه إلا إذا وافق المصريون على وجود أجنبي حر لمراقبة وتقدير ما إذا كانت العملية السياسية المحلية تنفذ الالتزامات المصرية الحالية المتعلقة بالقوانين والمواثيق الدولية.

وقد أزيلت بالفعل واحدة من العقبات الانتخابية الكبرى في مصر، رئيس مصري قوي ينظم نتائج الانتخابات ويرفض الإذعان لقرار غير مقبول من جانب الناخبين. ونظرا لأن أيا من مبارك ونجله لن يترشحا في الانتخابات، فإننا لن نعاين تكرارا لما حدث في ساحل العاج مع تمسك الرئيس المهزوم بالسلطة.

وبإمكان المجتمع الدولي عرض قائمة واضحة من الخطوات لعقد انتخابات موثوق بها هذا العام لبناء نظام ديمقراطي، كما أن على الولايات المتحدة وحلفائها واجبا لاحترام حق جميع الأطراف المشروعة للتنافس في الانتخابات، ومنها تلك التي تنتقد السياسة الأميركية، واحترام النتائج ما دام يمكن لمسؤولين مصريين تأكيد صحتها ويقر صحتها مراقبون محليون وأجانب باعتبارها تتوافق مع المعايير الدولية.

* الرئيس الـ39 للولايات المتحدة والحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 2002

* خدمة «نيويورك تايمز»